إذا صح ذلك الصدى الذي استرجعته لكلمتي في العدد الأسبق من (الرسالة) عن (الذوق الفني ونهر الجنون) من إخوان لي في الفكرة لم أعرفهم من قبل، كان عدد الذين (لم يشربوا من النهر) أكثر كثيراً مما قدرت، وكان عجيباً أن يضيعوا كل هكذا في غمار الشاربين المخمورين!
وإنهم ليفضون إليَّ بأسباب غريبة لصمتهم عن الجهر بآرائهم، أسباب لم تصادفني مرة واحدة، ولو صادفتني لعرفت كيف أثور عليها وكيف أحطم شباكها، ولكن مجرد اصطدامي بها حافزاً للثورة المحطمة لا للسكون الكظيم.
إنهم يشكون نفوذ بعض المشتغلين والمشتغلات بالغناء المريض في مصر هذا النفوذ الذي يعوق المقالات في إدارات الصحف فلا تنشر إذا كان فيها تصحيح لطريقتهم في الموسيقى والغناء، ويحبس الأغاني والألحان في محطة والإذاعة فلا تذاع، إذا كان فيها للضعف وتأثير في الشهرة، وفرصة للموازنة بين المشهورين وغير المشهورين. . . هذا النفوذ الذي يشتريه بعض المشهورين والمشهورات بالمال والشفاعات تارة، وبجاه المعجبين بهم الشاربين من النهر معهم من أصحاب السلطان والمرشحين للسلطان تارة!
ولست أدري مدى هذه الشكايات من الصحة، ولكن تواترها على ألسنة لا مصلحة لها في الادعاء، وبسط حوادث معينة في صحف (محترمة!) معينة. كل هذا جعلني أوجس شراً، خشية أن تقبر هذه الكلمة التي يخططها قلمي فلا تبصر النور، وأن تصدها الشفاعات والدسائس عن الظهور!
وعلى الرغم من ثقتي بالرسالة التي أوسعت صدرها غير مرة لنقد عظماء الفكر في الشرق والغرب، فأنا أرجو أن تعذرني في هذا التوجس، فإن الحوادث التي سمعت عنها تشير إلى الخطة منظمة يتوسل إليها بعض المشهورين والمشهورات بكل وسيلة مهما كلفتهم من جهد وتضحية، لكتم النقد وإذاعة الثناء، وقبر كل نبوغ يبزغ، ويهدد شهرتهم بين الغوغاء.
وحين يصح هذا يكون جناية على الفن والذوق والخلق، وعلى كل إحساس رفيع في الأمة وكل شعور كريم، جناية تجب مكافحتها، وأنني لأهب هذا القلم لهذا الكفاح وأعلم أن