الحواجز والسدود التي يشكو منها الشاكون لن تحول دون هذا القلم حين يريد.
إننا لن نشتم هؤلاء الناس الذين يسحقون روح الشعب في كل أغنية، ويهدون عزيمته في كل لحن؛ ولن نوجه إليهم فاحش اللفظ ولا هجر القول، ولا شأن لنا بأشخاصهم، ولكننا ننتقد طريقتهم، ونندد بآثارها المقيتة في النفوس. وما دام الأمر كذلك فسنجد لهذا القلم مجالاً غير محدود، على الرغم من كل الحواجز والسدود، لن يكون هؤلاء المشتغلون والمشتغلات بالغناء الزائف المريض بأعز من عظماء الفكر الذين تناولهم النقد في أبعد الحدود.
والأمم تنشئ الفرق لمكافحة المرض حين ينتشر الوباء، ولمكافحة اللهب حتى يصب الحمم على الأبرياء، ولمكافحة المخدرات حين تهدد سلامة البلاد. . . فمن الواجب مصر أن تنشئ الفرق لمكافحة الغناء المريض الذي يسحق كبرياءها، ويحطم رجولتها وأنوثتها، ويثير أحط غرائزها، ويخدر أعصابها كالمخدرات.
وما أمزح أو أتهكم! فأنا أقترح جاداً إنشاء هذه الفرق، من كل ساخط على هذا الترنيم الوجيع، مشمئز من هذا التكسر الخليع. وهذه الفرق تستطيع الشيء الكثير: تستطيع بث الدعوة، وضرب المثل، ومقاومة كل نفوذ تجاري يبذل في إدارات الصحف ومحطة الإذاعة. . . وتستطيع تتبع هذه الأنغام بالتجريح والتهجين في كل مجتمع وناد، مع تصحيح الإفهام وتقويم الإحساس.
ولست أبالغ حين أنهي إلى وزارة الشئون الاجتماعية إلى وزارة الدفاع أن هذه الأغاني تعوق جهودهما في انتشال المجتمع المصري وتقويمه، وفي بث روح الحماسة وتقويتها، فشبان البلد وشوابها مشغولون ومشغولات بالمأتم الدائم في كل مذياع، الحافل بالنائحين والنائحات، وبالدموع الرخيصة المتصنعة، وبالدغدغات الخليعة المتكسرة في الألحان والأغنيات.
وحين نكافح (الطابور الخامس) يجب أن نحسب حساب (الغناء المريض) ويجب أن نسكت هذه الدغدغة وهذا التميع وتلك المخدرات المتسربة إلى الضمائر الهامسة في الإخلاد.
وما كان لأي (طابور خامس) أن يؤثر ما تؤثر هذه الأغاني - حتى الأناشيد الوطنية والحماسية التي خرجت أشبه بالمناحة مرة، وبالنشيج المترنح مرة - إذا استثنينا (نشيد الجامعة) لأم كلثوم.