للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[دين الفطرة]

للأستاذ محمد أحمد الغمراوي

عدت إلى الشرق الإسلامي عدوى من الغرب في أمر الدين لم تكن لتنتقل إليه لو كان يدري ما الدين الذي بيده، أو كان يدري فرق ما بين الدين في الغرب وبين الإسلام

لقد حاول الغرب كثيراً يوفق بين دينه وبين العلم فلم يستطع، لا لجمود رجال الدين فيه هذه المرة، ولكن لنصوص في كتابه ناقضت ما أثبته العلم واستعصت على التأويل، كالنص على عمر للدنيا محدود لا يتجاوز بضعة آلاف من السنين في حين أن العلم اليقيني يقدر عمرها بالملايين. وكان من شأن ذلك أن حمل بعض كتابه مثل أرنولد وبعض قسيسيه على أن ظنوا أن الدين قد خذله الواقع فلم يبق ما يستند إليه إلا الشعر، أي إلا ما يتمثل في ذلك الدين من معان شعرية وقيم أخلاقية لا غنى للإنسانية عنها بحال. وقرأ ذلك وشبه بعض مقلدة الغرب من المسلمين الذين يحتبطون في حبل الغرب كيفما احتطب، فظنوا أن ما ينطبق على الدين هناك ينطبق على الدين هنا من غير أن يكلفوا أنفسهم مؤونة البحث عن الدينين هل هما مشتركان في مخالفة اليقيني من العلم حنى يشتركاأيضاًفيما يترتب على تلك المخالفة من حكم. ومن هنا نجمت هذه الناجمة التي تحاول أن تطفئ نور الله بأفواهها حين تدعو من ناحية إلى اعتبار القصص القرآن فنا يرمز إلى قيم أخلاقية من غير أن يقوم على حقيقة تاريخية، ومن ناحية أخرى إلى تأويل نصوص الدين وأحكامه وتقييدها بما لم يقيدها أو يخصصها به الله ولا رسوله ولا جماعة المسلمين من لدن أن نزل القرآن إلى هذا العصر الذي فقد الشرق فيه اتزانه، وكاد أن يبيع بأبخس الثمن إيمانه.

ومن العجيب أن الإسلام الذي يرمونه بداء غيره فينسبون إليه معادة العلم أحياناً ومنافاة العقل أحياناً ومجافاة الفطر أحياناً، هو وحده من بين الأديان السماوية الذي احتضن العلم وتحاكم إلى العقل وميز الحق بخصائصه. وما عليك إلا أن تردد النظر في القرآن الكريم وفي السنة المطهرة لترى الدليل تلو الدليل على أن الإسلام هو الدين العلم والعقل والحق. وهو وحده بين الأديان السماوية الذي عرف الفطرة وسماها باسمها ووصفها بأوصافها وشهد لنفسه أنه دين الفطرة، بل أنه نفس الفطرة التي فطر الله عليها الناس. وآية ذلك قوله تعالى من سورة الروم

<<  <  ج:
ص:  >  >>