(فأقم وجهك للدين حنيفا، فطرة الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله، ذلك الدين القيم، ولكن أكثر الناس لا يعلمون)
وقد غفل المسلمون عن هذه الآية بأقطارها غفلة يعجب منها كل ذي لب حتى يضرب كفا بكف! فلا هم أطاعوا أولها، ولا هم استمدوا التثبيت من آخرها، ولا هم فقهوا ما بين ذلك منها ليتخذوا منه هادياً ودليلاً وحجة تقوم وتدحض كل ما افترى أو يفتري الخصوم:
(فطرة الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله): كلمات كل منها حجة قائمة وقوة قاصمة تصدع وتدفع كل من يرمى الإسلام بما لا يليق بدين الله.
إن فكرة الفطرة وحدها لا يمكن أن تخطو ببال بشر من عند نفسه الذي نزلت فيه الآية الكريمة ولا في القرون الكثيرة بعده، لأنها لم تنشأ بعد الإسلام إلا بنشوء العلم الحديث في الغرب. ومن يدري! لعل الغرب استوحاها مما نقل إليه في القرون الوسطى من كتب الإسلام.
ونسبة الفطرة إلى الله الحق جل جلالة تشريف أي تشريف وإكبار أي إكبار للفطرة كلها ولفطرة الإنسان على الأخص عليها المقصودة هنا بالذات. وهي كفكرة الفطرة لا يمكن أن تخطو ببال بشر من عند نفسه، لا في عصر نزول الآية الكريمة ولا فيما بعدها من العصور؛ فإن الإنسانية حتى في عصر العلم الحديث هذا لم تهتد بعد إلى الفطرة عامة لها حكمها وإحكامها. فكما أن الكون قد فطره فاطره على سنن وقوانين لا تتخالف ولا تتخلف كشف عن بعضها العلم الطبيعي الحديث، كذلك الإنسان فطرة فاطر الكون على سنن وقوانين لا تتخلف ولا تتخالف لا مع نفسها ولا مع غيرها من سنن الله في الخلق. وفي نسبة فطرة الإنسان إلى فاطرها سبحانه يتمثل الفرق بين الإنسان وبين دين الغرب الذي يقول بأن الإنسان مفطور على الإثم. فالإسلام بتلك النسبة الكريمة يرفع الإنسانية وفطرتها إلى الأوج، ويفتح أمامها الباب واسعاً إلى السعادة والترقي الذاتي، في حين أن نسبة الفطرة الإنسانية وتنزل بفطرته إلى الحضيض.
ومن عجائب تلك الآية الكريمة ودلائلها الباهرة وصفها الفطرة بأخص أوصافها وهي الاطراد والثبوت وعدم التخلف:(لا تبديل لخلق الله) ووصف فطرة الإنسان خاصة بأخص خصائص فطرة الكون عامة من الاتساق والاطراد والثبوت، هو برهان أن القرآن من عند