فقهاء بيزنطة هم الذين كانوا يجادلون في البيضة والدجاجة: أهذي أصل تلك، أم تلك أصل هذى، بينما كان محمد الفاتح يرسل الصواعق دراكاً على أسوار القسطنطينية، فلا يخرجهم من شدة الخلاف وحدة الجدل ما فوقهم من حمم المنايا، ولا ما حولهم من صرخات الفزع!
وفقهاء بيزنطة هم الذين يجادلون اليوم في محراب المسجد بعد ألف ومائتي عام: أهو سنة فيبقى، أم هو بدعة فيزول؛ وفي محمل شجرة الدر: أهو موافق للشرع فيسير، أم هو مخالف له فيقف! يجادلون في هذا وفي ذاك بين أعمدة الجرائد والمساجد، ويسرفون في الجدال حتى يتشعب الخلاف ويتمادى، ويتقسم الرأي ويتعادى، فيكون لكل شيخ شيعة، ولكل شيعة عصبية جاهلة تمزق ما وصل الدين به القلوب من وشائج الإخاء والمودة
نعم يجادل فقهاء بيزنطة اليوم في المحراب والمحمل، ومن قبل كانوا يجادلون في زر العمامة أيبتر أم يضفي، وفي شعر الذقن أيحفى أم يعفى، وفي قبر الميت أيسوى بالأرض أم يقام؛ حتى أدخلوا في روع العامة من طول ما شغلوهم بهذه الصغائر أن الدين هو هذا وليس غير هذا. فلو تسنى لك أن تكشف عن عقيدة الإسلام في ذهن العامي أو شبهه لما رأيت إلا صورة مشوهة من رسوم العبادات وأوضاع العادات وألوان الأدعية. أما الإسلام الذي وضع الدساتير الخالدة لسعادة الفرد والأسرة والأمة والإنسانية في كل زمان وفي كل مكان، فذلك معنى لم يجر في شعوره ولم يدخل في علمه. والعوام وأشباه العوام هم جملة الأمة الإسلامية اليوم، فما تسمعه من هذا تسمعه من ذاك، وما تراه هنا لابد أن تراه هناك. وعلة هذه الجهالة الفاشية هي طريقة أهل الدين في تعلمه وتعليمه ونشره، فهم يقفون في تحقيقه عند النقل، ويقتصرون في تطبيقه على الشكل، ويكتفون في نشره بهذه المظاهر الصوفية الباطلة؛ فكان من جرائر ذلك عليهم أن قصرت مداركهم عن مداه، وبان على القدر الذي شدوه منه الضيق والضحل والجمود، ووهم الناس أن ما عندهم هو الدين كله فزهدوا فيه ونفروا منه.
إي والله تزال فقهاء بيزنطة يفرقون بين الناس بصدعات الرأي والهوى في المحراب والمحمل، وفيما هو أدنى عن المحراب والمحمل، وهم يعلمون أن الأديان البشرية التي وضعها الطغاة تحدياً لله وتهجماً على دينه، تحاول بقوة الجيش وحجة المدفع ودعاية المذياع أن تخفت ذكر الله في كل أرض، وتطفئ نوره في كل سماء. وهذه المذاهب