. . . أليس من العجب أن يكون من أبناء الأزهر من بعث إلى أوربا باسم محمد عبده، ثم لا يكون الأزهر معنياً بتاريخ محمد عبده وأفكار محمد عبده؟. . .
إحدى الملاحظات التي ساقها الأستاذ الفاضل (م. . .) في عدد الرسالة ٤٨٢ الصادرة في ١٧ رمضان سنة ١٣٦١ هـ تحت عنوان ذكرى الأستاذ الزنكلوني
أن الأمام محمد عبده والأستاذ الزنكلوني لم يكونا للأزهر وحده ولا شك؛ وان الأزهريين لم يعرفوا محمد عبده والزنكلوني وامثالهما ولاشك. ولهذا إذا لم يذكروا محمد عبده ولم يذكروا الزنكلوني لا يعود عدم ذكرهما إلى إهمال أو إلى نكران الجميل.
الأزهريون لم يعرفوا محمد عبده، لا لانهم لم يريدون أن يعرفوه، أو لأنهم أو لأنهم أرادوا أن يعرفونه فخفي عليهم، بل لأنهم دفعوا إلى عدم معرفته ودفعوا أيضا إلى استمرارهم على عدم معرفته. فقد شاع عن محمد عبده أنه شاذ وأنه خارج. . . وأخيرا شاع عنه أنه حر. وشاع كل هذا عن محمد عبده لأنه كان يكتب، وكان يفكر، وكان يتفلسف، ولأنه أراد أن يكون من الأمة، وأراد أن تسمع الأمة لأزهره وأن تسترشد بإسلامه في قضائها، في تثقيفها، وفي تسوية مشاكلها الاجتماعية والقومية، بينما كان الأزهريون في وقته يقرءون فقط، ويقلدون فقط، ويتبعون فحسب، وبينما كانوا يؤثرون العزلة ويؤثرون المحافظة على الأوضاع التي سبقوا بها في القضاء والتهذيب على رغم تجدد الزمن وتعقد مشاكل الإنسان تبعا لعوامل التطور المختلفة.
محمد عبده - أصاب أم أخطأ - كان في طرف، والأزهريون - أصابوا أم أخطئوا - كانوا أيضا في طرف مقابل له. ولو كان الفكر الفلسفي هو السائد في التوجيه العقلي أيام محمد عبده لعرف محمد عبده وارتفعت الهوة بينه وبين الأزهريين في زمن وجيز. لأن الفكر الفلسفي هو التأمل قبل إصدار الحكم، والروية في ربط الأسباب بالمسببات، وحرمان العاطفة - أيا كانت عواملها أو أيا كان لونها - من التدخل في قضاء العقل. ولكن التقليد هو الذي كانت له السيطرة على العمل العقلي الأزهري، وبقي أيضا مسيطرا بعد وفاة محمد عبده، ولم تزل كفته هي الراجحة الآن