للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

البَريدُ الأدَبيَ

المفعول معه وواو المعية:

من عنوان المفعول معه يفهم الإنسان أن الاسم المنصوب بعد الواو مصاحب للاسم السابق لها. فالمصاحبة شرح وتوضيح للواو التي هي نص في إفادة المعية في هذا الباب. والأمثلة المسموعة من القرآن وغيره واضح فيها معنى الواو بدون تجوز أو تأويل. فمن القرآن قوله تعالى: (فأجمِعوا أمركم وشركاءكم) فشركاءكم ليست معطوفة على أمركم، بل هي مفعول معه، إذ أنه لا يراد أجمِعوا أمركم وأجمِعوا شركاءكم، وإنما المقصود أجمعوا أمركم مع شركائكم.

وقوله تعالى: (والذين تبوءوا الدار والإيمان) لا يراد به تبوءوا وتبوءوا الإيمان، إذ أن الإيمان لا يُتبوَّأ، وإنما المراد أنهم تبوءوا الدار مع إيمانهم بالله. ومن قول العرب: (لو تركت الناقة وفصيلها لرضعها) معناه لو تركتها مع فصيلها لرضعها. ومن شعرهم قوله:

لا تحبِسنَّك أثوابي فقد جُمعت ... هذا ردائِيَ مطوياً وسربالا

معناه هذا ردائي مطوياً مع سربال. وقوله:

فكونوا أنتمو وبني أبيكم ... مكان الكليتين من الطّحال

معناه كونوا مع بني أبيكم متقاربين متعاونين.

فالشواهد المأثورة يتضح فيها أن الواو نص في المعية بدون تجوز أو تأويل. إلا أن بعض الشراح توسعوا في الأمثلة وحملوا الواو معاني تحتاج إلى المجاز فلجئوا إلى التفسير، وتفسير للتفسير ومزيد من تفسير التفسير، فقالوا: سرت والنيل، وسرت والطريق، أي مصاحباً النيل؛ ومصاحباً الطريق، أي مقارناً النيل؛ ومقارناً الطريق في سيري، وذلك تفسيراً لقولهم سرت مع النيل، وسرت مع الطريق. وهذا من العبث واللغو بمكان. ولكنا على هذا النمط تعلمنا وعلمنا كتب النحو. وفي هذا العبث وقع المؤلفون، وبهذا العبث ألزم التلاميذ في المدارس، فاضطرب المدرس في الشرح وتحايل، واستغلق المعنى على التلميذ فلجأ إلى الحفظ من غير أن يتصور المراد. ففي كتب قواعد اللغة العربية المقررة على تلاميذ المدارس الابتدائية تعريف معقد للمفعول معه استنباطاً من أمثلة وضعوها وفيها كثير من الخطأ، أو على الأقل فيها مبالغة في المجاز لا يهضمها التلاميذ، فقد عرفوا المفعول

<<  <  ج:
ص:  >  >>