ثم ملك بعده الحرث الأصغر بن الحرث الأعرج بن الحرث الأكبر؛ ومن ولد الحرث الأعرج أيضاً عمرو بن الحرث الذي كان النابغة سار إليه فارق النعمان بن المنذر؛ وكان يقال لعمرو أبو شمر الأصغر ومن ولده المنذر بن الحرث والأيهم ابن الحرث، والأيهم هذا أبو جبلة بن الايهم؛ وجبلة آخر ملوك غسان، وكان طوله اثني عشر شبراً، وكان إذا ركب مسحت قدمه الأرض، وأدرك الإسلام فأسلم في خلافة عمر بن الخطاب ثم تنصر بعد فلك ولحق بالروم. وكان سبب تنصره انه مر في سوق دمشق فأوطأ رجلاً فرشه فوثب الرجل فلطمه فأخذه الغسانيون فادخلوه على أبى عبيدة الجراح فقالوا هذا لطم سيدنا. فقال أبو عبيدة:(البينة بان هذا لطمك؟) قال وما تصنع بالبينة؟ قال إن كان لطمك لطمته بلطمتك. قال ولا يقتل؟ قال لا. قال تقطع يده؟ قال لا، إنما أمر الله بالقصاص فهي لطمة بلطمة، فخرج جبلة ولحق بأرض الروم وتنصر ولم يزل هناك إلى أن هلك). وإن الأخبار العربية الخاصة بدولة الغساسنة لمحيرة موئسة، وقل أن تمد الباحث بأي مادة حتى يستطيع أن يؤلف من شتاتها هيكلاً تاريخياً تقريبياً بإضافتها إلى النتف المبعثرة في كتب المؤلفين البيزنطيين. ويظهر أن أول أمير مستقل من الغساسنة هو الحرث بن جبلة الذي اختاره جستنيانوس حوالي ٥٢٩م ليكون في جانبه ضد المنذر بن ماء السماء ملك الحيرة، وقد قضى الجانب الأعظم من حكمه الطويل (٥٢٩ - ٥٦٩) في حروب طاحنة مع منافسة الخطير الذي ذكر شيء عن دفاعه وموته في الواقعة الفاصلة واقعة حليمة التي أشرنا إليها آنفاً، وكان الحرث مسيحياً يعقوبياً، وقد دافع عن هذا المذهب دفاعاً شديداً في حماسة منقطعة النظير في وقت كان التعلق بأهدابه إبانه مجازفة خطيرة. وان القصة التالية لتصور خلقه الخشن المخيف: ذلك انه في أخريات أيامه زار القسطنطينية ليتفق مع السلطة الحاكمة هناك عمن يخلفه من أبنائه، واستطاع أن يجتذب إليه عطف الكثيرين،