التعبير الفني في كل صورة من صوره - أدباً كان أم تصويراً أم نحتاً أم غناء أم موسيقى - هو انبعاث ذاتي، وفيض نفسي، وانفعال شخصي، يتميز فيه كل فنان عن كل فنان
والله الذي جعل بصمات الأصابع مختلفة في كل إنسان - وهي خاصة جسمية - جعل الشعور الإنساني والطبائع البشرية أشد اختلافاً وأكثر تفاوتاً، لأن الملامح النفسية أجدر بالتفاوت والاختلاف من الملامح الجسمية في بني الإنسان
وتفاوت الطبائع الفنية هو المبرر لظهور الفنان بعد الفنان، حتى يكون للحياة من هذه الطبائع معرض حافل بصورها المختلفة، ذلك أن الفن صورة الحياة في نفس فنان، وحين تختلف الصور وتتعدد، يحفل المعرض الخالد بالصور العجيبة
وحين ينعدم هذا التفاوت والتميز المطلوبان في الفنان، ينعدم المبرر الأول لظهوره على مسرح الفنون، ويفقد حجته في تمثيل دوره في الحياة التي لا تحفل بالنسخ المكرورة المعادة، ولا تبالي سوى الجديد المتميز تكثّر به نتاجها الممتاز، وتزيد في معرضها العجيب
تلك بديهيات مقررة، ولكننا هنا في مصر تحتاج أن نبدأ فيها ونعيد وأن نشرحها ونضرب الأمثلة لها، ولو نقلت هذه الشروح والأمثلة إلى أية لغة لكانت عجباً هناك بين القارئين، ودليلاً أي دليل على مبلغ تأخرنا في فهم وظيفة الفنون، بينما نحن في مصر لا نزال في حاجة إلى المزيد!
وقد كان معيباً أن يقلد شاعر شاعراً، وموسيقى موسيقياً، ومطرب مطرباً، في طريقة إحساسه أو طريقة أدائه، ولو كان هذا التقليد غير مقصود، لأنه يعارض غرض الحياة الأول من إظهار فنان بعد فنان، ويعطل وظيفة الفن الأولى من إبراز النماذج والأنماط
وظل هذا التقليد المستتر العارض معيباً، حتى فوجئنا أخيراً ببدعة فاقت كل ما يخطر على البال من جراء المسخ الذي أصاب الغناء المصري، تلك هي ظهور مطرب أو أكثر يقول علماً: إنه يغني على طريقة مطرب آخر، ويذيع فعلاً، فإذا هو صورة أخرى من أستاذه أو نسخة من نسخ (الكربون)!