لما وضع المؤرخ والفيلسوف السياسي نيكولو ماكيافلي، كتابه (الأمير) في سنة ١٥١٣ متضمناً لمذهبه المشهور في الحكم والسياسة، لم يكن يتوقع أن يغدو كتابه بعد أربعة قرون إنجيلاً لنوع جديد من الحكم يحاول اليوم أن يفرض مبادئه على العالم، ولم يكن يتوقع بالأخص أن تغدو آراؤه السياسية نبراساً لإيطاليا الجديدة يدفعها إلى طريق السلطان والقوة، أو يتصور أن هذه الآراء قد تغدو يوماً مثار حرب عالمية طاحنة بين المبادئ السياسية والاجتماعية الخصيمة. ذلك أن مكيافيلي كتب كتابه في عصر كانت إيطاليا تنقسم فيه إلى عدة جمهوريات وإمارات صغيرة، ينافس ويقاتل بعضها البعض، وتتقلب إماراتها ورياساتها بين عصبة من الزعماء والمتغلبين؛ واستوحى معظم آرائه من دراسته لأحوال هذه الدويلات الصغيرة، وهذا الرهط من الأمراء المتنازعين، واتخذ أميره الأمثل من رجال من طراز هذا العصر شقوا طريقهم إلى السلطان والملك بوسائل مثيرة من العنف والخيانة والغدر؛ وكان أقصى أمانيه حينما وضع (الأمير)، وأهداه إلى أميره وحاميه لورنز دي مديتشي أمير فلورنس، أن يكون كتابه مرشداً لأمراء عصره في تفهم أساليب الحكم التي تلائم روح العصر، وتلائم مطامع الزعامات المحلية التي كانت تضطرم يومئذ في دائرة محدودة، قوامها عدة من الولايات والمدن الإيطالية.
كانت المكيافيلية إذن شعار عصر خاص ومجتمع خاص؛ وكان طابعها القاتم، وما انطوت عليه من المبادئ العنيفة التي لا ضمير لها ولا وازع، والتي تغاضت عن كل المثل الإنسانية والأخلاقية، يسبغ عليها دائماً في نظر المجتمعات الرفيعة لوناً من الشذوذ البغيض الذي تأباه السياسة المستنيرة. ومن ثم كانت الفلسفة المكيافيلية على كر العصور مضرب الأمثال للسياسة البغيضة.
وليس من موضوعنا أن نتبسط في شرح المكيافيلية وأصولها، ولكنا نورد من أقوال واضعها هاتين الفقرتين اللتين تتضمنان لب النظرية المكيافيلية في الحكم والسياسة:
١ - (لا يستطيع الأمير العاقل وليس عليه أن يحفظ العهد، إذا كان مثل هذا الوفاء قد