نشر الأساتذة: علي الطنطاوي وعبد الوهاب الأمين وسامي الشقيفي وغيرهم في مجلة (الرسالة) الغراء بحوثاً ممتعة عن الحياة الأدبية في أوطانهم، فأجادوا وأفادوا، وجلو لنا بأقلامهم المرهفة حقيقة هذه الحياة
ولما كانت هذه البحوث عبارة عن جزئيات يتألف من مجموعها موضوع كليَّ عام، هو الهدف الأسمى ألا وهو (تصوير الحياة الأدبية في البلاد العربية) رأيت - والحالة ما ذكر - أن أدلي بدلوي وأقول كلمتي عن الحياة الأدبية في الحجاز، استكمالاً لحلقات البحث، ووفاء بحق هذا القطر الذي هو مهد الأدب العربي الأول
كانت الحياة الأدبية عندنا فيما قبل الحرب العامة الماضية تجري على سنن أدباء القرن الوسطى جريا تقليدياً محضا، ميكانيكياً خالصا؛ قصائد غزل ورثاء، ومدح وهجاء، وتطريز وتشجير، ورسائل معذرة وإطراء، وعتاب وتواصل وتقاطع. . . وكانت كل هذه الرسائل وهاتيك القصائد منهوكة القوى المعنوية بما تحمله دواماً من أغلال السجع المرهقة، وأثقال المحسنات البديعية الجافة. . . للألفاظ في الأدب عامةً المقام الأول: أما المعاني فهي في الدرجة الثالثة أو الرابعة في الأهمية. بقدر اقتدار الأديب ناثراً أو شاعراً على تنميق الألفاظ يقاس أدبه، وبموجبه يصدر له أو عليه الحكم
هكذا كان الجو الأدبي هنا محاطاً بسياج من الجمود. . . فلما وضعت الحرب العامة أوزارها استيقظ في نفر من ناشئة الحجاز المتعلمين روح النهوض، وشعروا أن أدبهم قد أخنى عليه التقليد وأفسده داء الجمود، فتركه هيكلاً عظيماً نخراً باليا، نابياً عن الحياة، بعيداً عن مطالبها، فاقداً روح الحياة، فاشمأزوا من هذه الحالة المزرية. وهنا ابتدأ دور العمل في الإنقاذ، ومن هنا ابتدأ عصر التجديد
إلى أين تتجه؟ كيف نجدد هذا الأدب الرث البالي؟ أين الطريق؟ وأين الدليل؟
هنا شاهدنا سببين ممدودين إلينا من أقطار العروبة الناهضة، وكل منهما له مغرياته، هذا الأدب المصري يجذبنا بنصاعة أسلوبه وقوة تركيبه، وهذا الأدب المهجري يسحرنا بمرونة أسلوبه وسهولة تعبيره. كان طبعيا - والحالة كذلك أن يحصل انقسام في اتجاه حياتنا