للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[البيئة الإسلامية]

للأستاذ محمد أحمد الغمراوي

يعجبني من عادة (الرسالة) في إخراج عددها الهجري الممتاز أنها توجه قراءها في أنحاء العالم الإسلامي العربي مرة في العام على الأقل إلى موضوع هو أجل ما ينبغي أن يشغل بال المسلم: موضوع الإسلام والحياة به وله والجهاد في سبيله

والمسلمون اليوم ينقصهم مذكر مؤثر يذكرهم بدين الله وبحقه عليهم: حق العمل وحق الجهاد. والعمل هو من الجهاد أو هو أكبره كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رجع من إحدى غزواته: (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر) والمسلمون اليوم قد أضاعوا الجهادين، فلا هم يجاهدون العدو فيؤدوا الجهاد الأصغر، ولا هم يجاهدون النفس ويقومون بحق الله في أنفسهم وفي الناس فيؤدوا الجهاد الأكبر. وليس ينقص المسلمين العلم بما عليهم لله في أنفسهم وفي إخوانهم، فإنهم يعلمون من ذلك ما إن عملوا به لكفاهم، ولكن ينقصهم العمل بما عندهم من العلم المستفيض فيهم

والعجيب من أمرهم اليوم أنه لا يحول بينهم وبين العمل المنجي إلا صغائر الشهوة يعجزون عن مخالفتها، وحقائر المغريات يضعفون عن مقاومتها. وأعجب من هذا أن كثيرين منهم حين يطيعون المغريات يظنون بأنفسهم الحكمة ويحسبون أنهم يتابعون الصواب. وهذا شر ما في الأمر كله وأفظعه وأهوله، فإنه يدل على مبلغ بعدهم عن الدين الذي ينتسبون إليه وقربهم من الشرك الذي يبرأون منه؛ وظنهم هذا بأنفسهم يزيد في يأس اليائس منهم ويجعل عبء المتصدي لهدايتهم ثقيلاً لا يقوم به من ولي العزم إلا من يلحظه الله بتوفيق وتأييد

وعبء رد العاصي إلى الطاعة والضال إلى الهدى والمخطئ إلى الصواب عبء ثقيل على أي حال، لكن شتان بين من يقر بخطئه أو بمعصيته يود لو خرج من كل ذلك، وبين من يجادل فيما هو عليه لا يرى به بأساً إن لم يره عين الخير. فالأول ليس بينه وبين الطاعة أو الهدى أو الصواب إلا العادة، وليس أمام الداعي إلا أن يحرك فيه دواعي التغلب على العادة ويدله على الطريق حتى يتغلب بالفعل، فتنقلب العادة عوناً له بعد أن كانت عوناً عليه. أما الآخر فأصعب الصعب في أمره إقناعه بخطئه أو ضلاله، وتحريك عوامل

<<  <  ج:
ص:  >  >>