ترجمة الأستاذ حجاج نويهض وتعليق الأمير شكيب أرسلان
لنا في كل يوم مثل جديد ينهض دليلا قاطعا على أن النهضة الفكرية الحديثة جادة لا هازلة، قوية لا تعرف الخور، ثابتة الأصول لا يخشى على بنائها من الزلل والسقوط، فهي نهضة تستمد الوحي من ماضيها الناصع المجيد، ثم لا تقف عند ذلك راثية باكية، إنما هي تتخذ من ذلك الماضي عدة. وعماداً لمستقبل تنظر إليه بعين يملأها الأمل، وقلب يحدوه الرجاء. وأن نهضة لا تقيم صرحها فوق هام ذلك العماد الركين، لهي هباء يسبح في الهواء، لا يتصل بالأرض ولا يرتفع إلى السماء. لأنها عندئذٍ تكون هائمة في عزلة زمنية، لا تعرف لشوطها مبدأ ولا نهاية، كما يخبط ذو السبيل الجائر في بيداء موحشة مقفرة، يرى الموت جاثماً في أحضان كثبانها أنى سار.
وإنا نضرب لك مثلاً أوروبا حين قامت تنفض عن نفسها غبار القرون الوسطى ونهضت تشيد حياة جديدة زاهرة، فلم تنشئ جديداً من عدم، ولا هي أولت القديم ظهرها مزدرية له ناقمة عليه، بل نظرت إلى الوراء قبل أن تبدأ السير إلى الأمام، واستلهمت التاريخ - تاريخ الإغريق والرومان - لتستقي من معينة الدافق ماء الحياة التي تريد.
من أجل هذا، يحق لنا أن ننظر إلى نهضتنا نظرة فيها ثقة ورجاء، لأننا نلاحظ فيما نلاحظ اتجاهاً إلى تاريخ العرب والإسلام، يزداد سعة وشمولاً في اطراد لا ينقطع، وأقل ما يقال في هذا الاتجاه، أنه يشحذ الهمم الخامدة، ويهدي نهضتنا سبيلاً سواء.
فبين يدي الآن مجلدات أربعة، كتبت في حاضر العالم الإسلامي، ألفها الكاتب الأمريكي لوتروب ستودارد ثم نقلها إلى العربية الأستاذ حجاج نويهض وفيها فصول وتعليقات وحواش مستفيضة عن دقائق أحوال الأمم الإسلامية وتطورها الحديث بقلم الأستاذ الكبير والمجاهد العظيم الأمير شكيب أرسلان، وقد يظن القارئ - وله عذره في هذا الظن - أن الكتاب المترجم هو الأصل، وأن ما كتبه الأمير شكيب حواش متناثرة هنا وهناك، ولكن