للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[أعلام الأدب]

هوميروس

للأستاذ دريني خشبة

(إلى أستاذي الجليل أحمد حسن الزيات أهدى هذه الفصول)

كان هوميروس يخفض الآلهة إلى مراتب الناس فيجعل لهم من الغرائز الدنيا مثل ما للناس، ثم يرفع الناس إلى مراتب الآلهة فيجعل لهم من الفضائل ما ليس ينبغي إلا للآلهة، أو ما ليس يتوفر إلا للآلهة.

وعجيب أن تتخذ آلهة هوميروس مثلها العليا من البشر الذين خلقتهم بأيديها، لأن هوميروس - على ما يبدو في ملاحمه - لا يرى الحياة الدائبة النشيطة المفعمة بالغرائز المتضاربة، إلا في محيطها المرئي المعترف به الذي يتكون منا نحن البشر. . . ولكي تتم الصورة الشعرية التي هي روح ملاحمه، والتي تفوّق بها على ضريبه هسيود، تراه يلجأ إلى الأساطير يلون بها فصوله، وليثير بغرابتها اشتياق سامعيه، وليجدد فيهم الحماسة التي هي أولى غايات الملاحم. لذلك تراه يعقد مجالس الآلهة للتشاور فيما ينبغي أن تكون الوسيلة لنصرة فلان أو لخذلان فلان، فإذا اجتمع شمل الأولمب فلا بأس أن تثور الحفائظ بين أرباب وأرباب وبين ربات وربات، ولا بأس أن يُعيّر أحد الآلهة فلكان إله النار بما وقع بين زوجه فينوس وبين مارس إله الحرب من خطيئة وفسوق. . . ولا بأس أن يدس هرمز أنفه في الموضوع فيصرح أن مارس معذور جد معذور فيما حدث له من الصبوة إلى فينوس، وأنه أول من يشتهي أن يكون الذي وقع لمارس كان قد وقع له. . .

وليس يرى هوميروس بأساً في أن ينزل الآلهة في معمعان الحرب ينافحون عن الأبطال الذين ينتمون إليهم. . . ففي الكتاب العشرين من الإلياذة يستأذن الآلهة سيد الأولمب فينقسمون فريقين، فتكون هيرا ومينرفا وهرمز وفلكان في صفوف الإغريق، وينحاز أبولو ومارس وديانا وفينوس إلى صفوف الطرواديين. . . فإذا ثار النقع، واضطرمت الحرب، والتقى أخيل وهكتور (الكتاب العشرين) وقعقعا بالسلاح، وأوشك هكتور أن يظفر ببطل أبطال اليونان عندما يسقط رمحه. . . تتقدم مينرفا فجأة وعلى عجل فتأخذ الرمح من فوق

<<  <  ج:
ص:  >  >>