الأرض وتناوله لأخيل فتنقذه من قتلة لم يكن فيها شك ولا عنها متحول. . . وهي تفعل مثل ذلك في الكتاب الثاني والعشرين فتنقذ أخيل وتمهد له بذلك فيقتل هيكتور. . . ومع أن مينرفا هي ربة الحكمة في الميثولوجيا اليونانية فهوميروس في هذا الموقف ينحط بها إلى أسفل مراتب الإنسان لأنها تكون سبباً في قتل رجل عظيم مثل هكتور يدافع عن وطنه ويذود عن حمى بلاده. . . وهي لا تتسبب في قتله فقط بل تحرمه فرصة نادرة أوشك أن يبطش فيها بأخيل.
وليتها فعلت كما صنع نبتيون في الكتاب العشرين حينما أنقذ إينياس من رمح أخيل مرتين حتى لا يغضب زيوس كبير الآلهة على بطل الإغريق.
هوميروس يزخرف الإلياذة بمثل تلك الأساطير ليقطع تسلسل المعارك، وليتقي سأم السامعين، وليجدد حماستهم، وهو في ذلك أستاذ أرباب المسرح من أمثال شكسبير وموليير. . . وهو لا تعييه الحيلة في اختراع ما يخفف وطأة الحزن إذا استعرت نيرانه في قلوب الناس حوله، فلا بأس عنده إذن من أن يترك جدث بتروكلوس ويقيم حفلاً أولمبياً للألعاب يشترك فيه أبطال الحرب فينافس بعضهم بعضاً فيتسابقون ويتلاكمون ويصطرعون ويقذفون القرص ويرمون الطوق ويحملون الأثقال ويسابقون على الخيل. . . وتكون حفلة باهرة كأحسن ما شهد العالم الحديث في أولمبياد برلين. . . ثم ينهض أخيل المحزون المرزّأ، في إثر كل مباراة، فيوزع الجوائز السنية على الفائزين (الكتاب الثالث والعشرين).
وقارئ الإلياذة يتولاه العجب وتأخذه الدهشة لبراعة هوميروس الأعمى في الوصف. . . فكأس نسطور في الكتاب الحادي عشر، ودرع هكتور في الكتاب السادس، والنقوش الأخاذة التي حفرت في درع أخيل، والستر الأزرق الجميل في قصر ألكينوس، وشروق الشمس وغروبها، وتكاثف الضباب، والنقع المثار فوق المعمعة. . . كل هذه آيات من الوصف الدقيق الذي يشهد لهوميروس بملكة فنية قوية تتجلى في أكثر أنحاء منظومته، وتربك المترجم خاصة حتى يستعصي عليه أن يساير هوميروس، ملك الشعراء، الذي تراه فيما ينظم مصوراً ورساماً وقائد جيوش وإلهاً وسحاباً وبرقاً ورعداً وحداداً. . ثم جزاراً وشواءً. . . ثم راهباً وواعظاً وما شئت من فنون الحياة التي لا حصر لها. . .