للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الطيران بين أسلحة الحرب]

للملازم الأول حسين ذو الفقار صبري

لم تعد الحرب في مختلف نواحيها بقادرة على الاستغناء عن سلاحها الجديد: (الطيران)، الذي لم يكن بالأمس إلا بدعة طارئة، وأصبح اليوم ضرورة أُقحمت على كل فكر وكل رأي، حتى ذهب الكثيرون، ممن قنعوا بعابر الملاحظة دون عميق البحث، إلى القطع بأن أهميته تفوق غيره من الأسلحة، فهو منها المحورُ والدولاب، وله عليها العرش والسلطان؛ وتمادوا في إغضاء الطرف عن نقائصه، مُعْلين من شأنه، رافعين من ذكره، حتى وُصف بما لا قدرة عليه، ونعت بما لا طاقة له به.

جاب الإنسان الأرض شرقها وغربها، وشمالها وجنوبها، وسبح في الماء وارتقى الجبال، وحاول ثم حاول محاكاة الطيور بالتحليق في الفضاء، ولكنه هنا فشل مرراً، وارتد عن أحلامه تكراراً، حتى ظن أن التصاقه بالأرض قانون لا يُخْرق، وأن تحليقه في الهواء أمنية لن تُحقّق. فلما حلّق أول من حلق، انبهر البشر وتلمسوا طريق التأويل والتعليل، فرموا الطائرة بصفات تخيلوها، وحبوها بأحوال ليست لها. وقد انساقوا في ذلك السبيل وراء ما أحرزه الطيران من تقدم حثيث ملموس، نتيجة طبيعية لما زامل زمانه من اطراد مستمر في شؤون الآلات والكهرباء وصناعة المعادن، مما خف وزنه واشتدت صلابته. كل تلك الأشياء وغيرها تضافرت فأغدقت على الطيران من عندها، ودفعت به إلى الأمام عدة مرات؛ ولكنا إذا تأملنا الأمر قليلاً وجدنا الطائرة جسماً كسائر الأجسام، يخضع لقوانين الطبيعة كل الخضوع. هي جسم ساير تلك القوانين، وتحايل عليها واسترضاها فانقادت له تساعده وتحابيه وتزينه للناظرين

سرُّ الطائرة في استخدامها فراغاً لا نراه ولا نلمسه، سرُّها في استمدادها القوة من انضغاط هواء تحت سطح جناح انطلق انطلاق الشهاب، سرها في التفاتها إلى عنصر أحاط بنا منذ الأزل فألفناه، حتى انقلبت الألفة إلى عدم اهتمام بل إلى إهمال

استمدت الطائرة قدرتها على الارتفاع من الهواء المضغوط تحت الجناح، فغالبت جاذبية الأرض وقهرتها، قهرت تلك القوة التي ألصقتنا بالأرض دواماً، والتي لم نتفهمها جيداً حتى ترجم العلم مفعولها إلى لغة قريبة من مداركنا، لغة الكتل والأثقال والأوزان. الجاذبية

<<  <  ج:
ص:  >  >>