ونلاحظ أن أبا دلامة لم يكن يصله - غالباً - شيء من المال إلا بنادرة كما رأينا في قصة الوصيف، أو بحيلة كما سنرى الآن في قصته مع العباس بن محمد - عم المهدي - الذي كان من أبخل الناس:
دخل أبو لامة يوماً على المهدي، فحادثه ساعة وهو يضحك وقال له: هل بقي أحد من أهلي لم يصلك؟ قال: إن أمنيتي أخبرتك، وإن أعفيتني فهو أحب إليَّ. قال: بل تخبرني وأنت آمن. قال: كلهم قد وصلني إلا حاتم بن العباس. قال ومن هو؟ قال: عمك العباس بن محمد. فالتفت إلى خادم على رأسه وقال: جَأُ عُنق العاض بظر أمه. فلما دنا منه صاح به أبو دلامة: تنحَّ يا عبد السوْء لا تحنثْ يمين مولاك وتنكث عهده وأمانه. فضحك المهدي وأمر الخادم فتنحى عنه، ثم قال لأبي دلامة: ويلك! والله عمى أبخل الناس. فقال أبو دلامة: بل هو أسخى الناس. فقال له المهدي: والله لو مت ما أعطاك شيئاً. قال: فإن أنا أتيته فأجارني؟ قال: لك بكل درهم تأخذه منه ثلاثة دراهم. فانصرف أبو دلامة فحبر للعباس قصيدة ثم غدا بها عليه وأنشده:
قف بالديار وأيَّ الدهر لم تقفِ ... على المنازل بين الظهر والنجف
وما وقوفك في أطلال منزلة ... لولا الذي استدرجتْ من قلبك الكلف
إن كنت أصبحت مشغوفاً بساكنها ... فلا وربك لا تشفيك من شغف
دَع ذا وقُل في الذي قد فاز من مُضر ... بالمكرمات وعز غير مقترَف
هذي رسالة شيخ من بني أسد ... يهدي السلام إلى العباس في الصحف
تخطها من جواري المصر كاتبةً ... قد طالما ضربت في اللام والألف
وطالما اختلفت صيفاً وشاتيةً ... إلى معلمها باللوح والكتِف