وأخيراً عاد الأمير شكيب أرسلان من جُنَبرة إلى لبنان! وبعد أن قرت عين المسافر بالإياب، وألقى عصاه بين أهله والأحباب، حركني وصديقي الشيخ محمد بهجة البيطار شوق مبرح إلى زيارة أمير البيان في رحابه، فشددنا الرحال إلى الجبال، أو بالحري أدرنا العجلات نحو الهضبات؛ وأحب أن يرافقنا في السيارة لهذه الزيارة: الشيخ بهجة الأثري البغدادي والشيخ ياسين الدّواف النجدي والشيخ علي الطنطاوي الدمشقي الذي لا يجهله قراء الرسالة. ومازالت سيارتنا بسم الله مجراها ومرساها تصعد في الجبال تارة وتصوب في بطون الأودية أخرى حتى بلغنا العشية عين صوفر عرين الأمير، فعلمنا أنه في كورة الشوف يرد الزيارة لوفود القرى التي استقبلته يوم رجوعه إلى ربوعه، وكان علينا أن نكتب إليه بزيارتنا من دمشق، فذلك الإهمال أو النسيان، قد دهانا بهذا الإخفاق أو الحرمان، ولم يخفف شيئاً من حسرتنا إلا علمنا بأن أمير البيان سيهبط الغوطة بعد أيام قليلة، ولذا عولنا على العودة إلى الفيحاء من طريق الفالوغة وفيها خليل لنا مصطاف يقال له إبراهيم، ولما هبطنا بالسيارة واديه، وحللنا ناديه، ونلنا قسطنا من الراحة وحظنا من الراح نهضنا لامتطاء سيارتنا فأقسم علينا: لا رحيل لكم اليوم ولا براح، فلم نجد بداً من النزول عليه مكرهين ومكرمين
وغداة غدٍ صعدنا إلى (عين الصحة) المعدنية في جبل الفالوغة والتي تعلو سطح البحر بنحو ١٥٠٠ متر، وقد اشتهرت بأنها للرمل حطوم، وللأطعمة هضوم، اشتهار (عين بُقين) في وادي الزبداني من مصايف دمشق. وأخبرني الكيماوي الثقة الذي حلل الماءين أن ماء بقين أخف مياه الشام في الثقل، وأشفاها لآلام الكلى والعلل، وإنما سميت بعين بقين لأن المريض إذا عب منها عبتين، أو شرب كما يقول العامة بقين، هضم الطعام وشفى الكليتين
وإلى جانب عين الصحة مقهى صغير تناولنا فيه صبوحنا من صهباء الماء والخبز المرقوق واللبن الخاثر والبيض المسلوق؛ وقد شاركنا في رحلة الصباح هذه وفي الاصطباح صديقان كريمان: القاضي خليل رفعة والصوفي شمس الدين، وتخلف في الفالوغة السيد إبراهيم معتذراً وقد خشي أن يبهره الصعود، فاغتاظ رفاقه لتخلفه هذا لأن