للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[(يظهر أن الانتخاب قريب!)]

كذلك قال الحاج على وشفتاه الغليظتان تنفرجان عن ابتسامة لا يتم بدونها معنى الجملة، وعيناه الحادتان تتبعان مركبة كانت تدرج في طريقها إلى القرية. فقال له المأذون وهو يربت على كتفه: صح نومك! لقد أذاع الراديو وأعلنت الصحف حل مجلس النواب وتحديد يوم الانتخاب؛ فالحكومة تتجهز، والأحزاب تتحفز، والمستنابون يغدون ويروحون، من الدائرة إلى الحزب، ومن الحزب إلى الدائرة، والعرق يتصبب من الجباه، والوعود تتناثر من الشفاه، والنقود تشرأب من المحافظ، و. . . فقاطعه الحاج علي بقوله: حسبك يا شيخ إبراهيم! إنك لتعلم أني لا أسمع الإذاعة ولا أقرأ الصحف ولا أغشى المجالس، ولولا مقدم الأستاذ لما تركت حقلي. إنما أعرف اقتراب يوم الانتخاب بظهور هذه المركبة. أن قدومها على القرية أشبه بقدوم بغلة العشر على الموعود. أنها تحمل إلينا مع الباشا التساهل في الحساب، والتسامح في المتأخر، والاستماع إلى كل شكوى، والاستجابة لكل طلب، والمجاملة في كل حادث، والمواساة في كل خطب؛ حتى إذا انقضى يوم الانتخاب، ودخل الباشا مجلس النواب، أشاح بوجهه ونأى بجانبه، وسلط على وعوده الحلوة مطال (ناظره) وضلال (كاتبه). فإذا لقيناه عبس وبسر، وإذا سألناه دعَّ وزجر، وإذا أسترحمناه (سخط ونطر)؛ ثم لا نسمع بعد ذلك انه قال كلمة في المجلس، أو أبدى رغبة إلى الحكومة، أو أدى خدمة إلى الفلاح، أو أسدى منة إلى الوطن! فحل المجلس أنفع لنا من عقده، وترشيح النائب أجدى علينا من نيابته.

فقلت له: وما الذي يحملكم على انتخابه وقد علمتم بالتجربة انه يرضيكم شهرا ويغضبكم دهراً؟ فقال: يحملنا على انتخابه انه مالك ونحن مستأجرون، وليس بين المالك والمستأجر قانون غير قانون العقد؛ والعقد تختمه على بياض وهو الذي يكتبه ويحتفظ به. فإذا غلَّبنا إرادتنا على إرادته، وآثرنا مصلحة البلد على مصلحته، اشتط في أجرة الارض، وتعسف في تسوية الحساب، وتحكم في اقتضاء الدين، فلا يكون لنا غير الاحتكام، ولكن إلى من؟ أو المهاجرة، ولكن إلى أين؟

فقلت له: ذلك ادعى إلى أن تنتخبوا غيره ممن يعلمون أموركم، ويشعرون شعوركم؛ حتى إذا تقدمت الحكومة باقتراح قانون بخفض الإيجار، أو برفع الأجر، أو يحدد الملكية، أو يزيد الضريبة، كان مع الاقتراح لا عليه. ومتى سنت هذه القوانين ضمنت الحماية

<<  <  ج:
ص:  >  >>