إن العبقرية القصصية الممثلة اليوم في أعمال طائفة من الأدباء الإيطاليين، لم يعن بها مع الأسف واحد من النقدة أو المشتغلين بالآداب العربية، ومعظم الذين تحدثوا عن نهظة القصة وقفت معلوماتهم عند جبرائيل داننزيو شاعر بسكارا؛ مع أن الفن الروائي الحقيقي يبدأ بعد عصر داننزيو، بل إن الفضل في تقدم القصة الإيطالية يعود إلى تألب العناصر على الجو الشعري الحالم، وانتفاء روح المرح، وفي التحدث عن الذات، وهي الصفات التي يرتكز عليها فن داننزيو الأدبي
وليس هذا معناه أننا نغمط داننزيو حقه، بل الواقع الذي يجب الاعتراف به أن زعماء الصفوف الذين سبقوا داننزيو، كانوا إما شعراء أو نقدة أو كتاب مسرحيات أو تراجم، ولم يتمخض الجيل الأدبي عن عبقريات أو مواهب قصصية مطلقا، لأن العصر كان فوضى، لا مقاييس تحده، ولا معالم يعرف بها، وقد شبه النقادة ريشارد جارنت هذا العصر - في كتابه بأنه يحاكي المدرسة الفلسفية الإغريقية، التي وقعت تحت سيطرة الإمبراطورية الرومانية الفكرية
على أن الفضل في تفتح أذهان الأدباء الإيطاليين إلى الفن القصصي، إنما يعود إلى جيته وفيكتور هيجو وبلزاك وموباسان فهم في الواقع أساتذة المدرسة الأدبية الحديثة في إيطاليا، وفي مؤلفاتهم تتلمذ جيل الأدباء في أواخر القرن التاسع وأوئل القرن العشرين، وهي ظاهرة غريبة، فإن الأرض التي أنجبت في القرن الثالث عشر أستاذ الأقصوصة جيوفاني بوكاتشو، ظلت مجدبة زهاء ستة قرون إلى أن بزغ نجم داننزيو في سمائها
وقبل التحدث عن شاعرية داننزيو وفنه، نرى من الخير ألا نهمل الأثر البارز الذي غرسه أستاذه كاردوتشي في نفسه. والواقع أن كاردوتشي مؤسس مدرسة أدبية عظيمة لا نعرف لها مثيلا في الآداب الإيطالية. اللهم إلا تلك الجهود القيمة التي سجلها دانتي، وفي مدرسة كاردوتشي تتلمذ بنزبني وجراسيا ديلليدا وبيراندللو وجيوفاني بابيني وغيرهم من أعلام الأدب الحديث ولكارودتشي يرجع الفضل في تحويل الأدب الإيطالي من الصيغة القومية