من المعروف أن دانني ألجيري شار إيطاليا العظيم الذي عاش فيما بين القرنين الثالث عشر والرابع عشر - قد وضع ملحمة فذة هي (الكوميديا الإلهية) التي تعتبر أنضج ثمار الآداب الإيطالية، ولعلها أسمى تحفة فنية ظهرت حتى الآن، وقد ترجمت الكوميديا الإلهية إلى جميع لغات العالم، كما نقلت نثراً إلى اللغة العربية، أو بالأحرى لخصت في هذه الترجمة العربية رحلة دانتي إلى الجحيم والأعراف والجنة.
وكثيراً ما نقب العلماء والباحثون أثناء القرن الماضي عن المصادر التي استقى منها دانتي فكرته في وضع الكوميديا. وطالما تساءل المهتمون بالدراسات الخاصة بالشاعر الإيطالي ومعاصريه من الكتاب عما إذا كانت فكرة دانتي في ملحمته مبتكرة أو مقتبسه. ولقد مضت على ذلك سنوات دون أن يتقدم هذا البحث تقدما مرضياً، ودون أن يتعدى الأمر مرحلة الترجيح. وذلك لأن الباحثين لم يكن في استطاعتهم أن يحصلوا على البراهين القاطعة في هذا الموضوع. أما في أوائل القرن العشرين فقد تطورت الأبحاث الخاصة بالمصادر التي استقى منها دانتي فكرته، وتمت بفضل مجهودات المستشرق الأسباني آسين بلاثيوس الذي أخرج إلى الناس في سنة ١٩١٩ بحثا قيما عنوانه:
أي (العقيدة الإسلامية في الكوميديا الإلهية) فلما ظهر هذا البحث كان له وقع عظيم في نفوس المهتمين بالدراسات الدانتية، ولا سيما أولئك الذين لا يشكون في أصالة فكرة الشاعر الإيطالي. ولقد امتاز بلاثيوس في هذا المؤلف بدقة التحليل والتعليل على عادته في كل ما بحثه وكتبه أثناء حياته من البحوث العلمية الخاصة بالاستشراق. وكان بلاثيوس يعتمد في بحثه هذا على تبحره في دراسة الفلسفة العربية والعقيدة الإسلامية، وبصفة خاصة على