لم يشهد التاريخ انسحاباً موقفاً مثل انسحاب قوات الحلفاء من بلجيكا، ولم يشهد التاريخ أيضاً تقهقراً أكسب القوات المتراجعة روحاً معنوية كالذي كسبته جنود الحلفاء في معركة الفلاندر. فقد عملت الحوادث على إرسال موجة شديدة من اليأس والتشاؤم في صدور العسكريين، حتى رأى بعضهم أن الانسحاب لا يتم إلا بمعجزة. وهانحن أولاء نرى المعجزة تتم، ونرى جنود الحلفاء في بلادهم بعد ما تسلحوا بعزم جديد وروح جديدة هي الاستخفاف بالقوة العسكرية الألمانية
فخبرها جنود الحلفاء وهي في أحسن أحوالها وأقوى مواقعها بينما كانوا هم في أسوأ أحوالهم، وأحوج موقف يمكن أن يوضع فيه جيش. إذ يفاجئون بانسحاب القوات البلجيكية التي كانت تحتل مواقع هامة؛ ويؤدي إلقاؤها لسلاحها إلى كشف ظهر قوات الحلفاء. فإذا هي تسعى لضم جموعها، وإذا هزمتها محققة.
ومع هذا، فعزيمتها لا تلين، وأملها في النجاة لا يضعف، وصبرها على أهوال القتال لا يتضعضع. فلم يفت في عضدها القتال المستمر عشرين يوماً ليل نهار. ولم يوهن من قوتها وروحها المعنوية انقلاب المآل من حال إلى حال. فأي عزيمة وأي صبر احتمال سلحت بها قيادة الحلفاء جيوشها؟ لا شك أن القيادة الرشيدة كانت عاملاً فعالاً في إقرار هذه الروح في الجنود، ولا شك أيضاً أن أخلاقاً قوية ساعدت القيادة على تحقيق أغراضها والوصول إلى أهدافها. لقد خسر الحلفاء هذه المعركة بالخيانة، ولكنهم كسبوا نصراً عسكرياً وتعلموا كيف يواجهون الألمان ليحرزوا النصر النهائي
الشجاعة تفوز
أما عوامل اليأس من إنقاذ هذه القوات فكانت كثيرة أهمها:
١ - تسليم الجيش البلجيكي
٢ - إغلاق طريق الانسحاب لضيق البقعة الأرضية فلم يبق إلا منفذ البحر مع وعورة