للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الشعر في صدر الإسلام وعهد بني أمية]

بقلم أحمد حسن الزيات

شعر الشيعة

ورث علي بن أبي طالب بحكم مولده ومرباه مناقب النبوة، ومواهب الرسالة، وبلاغة الوحي، وصراحة المؤمن، وبسالة المجاهد، فأجمع الناس على إجلاله وكادوا يطبقون على حبه؛ حتى من كتب عنه من الأوربيين قد شاركوا المسلمين في هذه العاطفة، فقد قال فيه الكاتب الإنكليزي كارليل: (أما ذلك الفتى عليّ فلا يسعك إلا أن تحبه؛ ركب الله في طبعه النبل منذ الحداثة، وتجلى في خلاله الكرم طوال عمره، ثم طبعه على العمل ونفاذ الهمة وصراحة البأس، وآتاه سر الفروسية وجرأة الليث، وكل ذلك في رقة قلب وصدق إيمان وكرم فعال تليق بالفروسية المسيحية) ثم سار عليّ في خصومته وخلافته وسياسته على ضوء هذه الأخلاق، فما قارف الأثرة، ولا حاول الفرقة، ولا راقب الفرصة، ولا أثار العصبية، ولا استخدم المال؛ وإنما أخلص النية للعمرين، ومحض النصيحة لعثمان، وأعذر بالحجة لمعاوية؛ ولكن دنيا الفتوح كانت قد أخذت على عهده تتجاهل دين البساطة والزهد، ولم تعد السياسة الدينية وحدها قادرة على كبح النفوس المفتونة بمال معاوية في الشام، وثراء الرافدين في العراق، فانتشر أمره، وانصدعت خلافته، ثم قتل مظلوماً في محرابه؛ فكان محياه ومماته تاريخاً دامياً للفضيلة المعذبة والنفس المطمئنة الشهيدة. ثم ورّث بنيه وأهليه ذلك العزم الثائر وهذا الجد العاثر، فدب الموت للحسن سراً في كأس مذعوفة، وقتل الحسين قتلة لا يزال يرعد من هولها الدهر

وتلاحقت الفواجع الأموية فصرع زيد وقتل يحيى، وافتنَّت المنايا الرواصد في اختلاج بني عليّ، وهم يقابلون هول الغوائل الظاهرة والباطنة بالشجاعة والصبر والاحتساب، وحتى أسفرت حول وجوههم طفاوة من التنزيه والتقديس، وتخللت محبتهم قلوب المسلمين، ولا سيما الشيعة. فإن ندم هؤلاء على خذلانهم إياهم، وألمهم لما رأوا من اضطهادهم وأذاهم، رفعا في نفوسهم ذلك الحب حتى أشرفا به على مقام العبادة؛ ثم ظهر ذلك الحب في صور من العقائد: فقالوا بالوصية، وجعلوا الإمامة من أصول الدين، وحصروها في عليّ وبنيه، وطعنوا في إمامة الشيخين. ولم يتهيأ لهم السلطان، ولم تسعفهم القدرة، فاعتمدوا على

<<  <  ج:
ص:  >  >>