للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[ما فسد الناس ولكن اطرد القياس]

للأستاذ علي العماري

(إن واجب الإنصاف يضطرني أن أبرئ الحكومة القائمة من

تهمة الخروج على العصبية الحزبية. . . لأنها لا تزال تعتقد

أن من لم يكن لها فهو عليها، وأن مر لم يكن وفدياً فليس

مصرياً).

(الزيات بك)

نظرت في أهل دهرنا، وحال عصرنا، فوجدت الموازين مختلفة، والمقاييس مضطربة: موازين الرجال والأعمال، ومقاييس الأخلاق والفضائل. لا تكاد تجد رجلاً في موضعه الطبيعي؛ فكثيراً ما ترى إنساناً في مكانة رفيعة، ومركز محسوس، فإذا أحببت أن تعرف كيف وصل، زكمت أنفك روائح كريهة من أخلاقه وسلوكه. وكثيراً ما تجد رجلا يشكو زمانه، ويبكي حظه، فإذا أحببت أن تعرف السر الذي قعد به، والسبب الذي من أجله تخلف عن ركب أقرانه، طالعتك صفحة رائعة من سلوكه وأخلاقه وعلمه وفضله.

ولا شك أن قيمة الأدب هانت، وهانت قيمة العلم، ونزلت قيم كثير من الأشياء، حتى الأخلاق لم تعد شيئاً مذكوراً في موازين كثير من الأفراد والجماعات والأمم، وبقي شئ واحد له قيمته، وله خطره، وله قدره في وزن الرجال والأعمال، ذلك هو (المنفعة). المنفعة هي الوسيلة، وهي الغاية وهي الدافع لكل ذي عمل إلى عمله، ولكل ذي يد إلى أن يتخذ يده عند من يظن أنه سيردها إليه أضعافاً مضاعفة. ولا أقصد - بطبيعة الحال - المنفعة العامة فتلك أسطورة من الأساطير وخرافة من الخرافات، أشبه بالغول والعنقاء والخل الوفي، وإنما أقصد المنفعة الشخصية، تلك التي تطبع الأخلاق والأعمال والسلوك بطابعها، فلا تكاد العين الفاحصة تخطئ من ذلك شيئاً، فلا بأس أن يبيع الأخ أخاه، وأن يتنكر الصديق لصديقة، وأن يطعن البرئ، ويكرم الميئ، لابأس بشيء من ذلك مادام قانون المنفعة هو القانون، ولا بأس أن نجامل في الحق، وأن ننتصر للباطل، وأن نرفع الوضيع،

<<  <  ج:
ص:  >  >>