لا أقدر أن أعلل المصادفة التي جعلتني أكتب قبيل شهر هذه المقطوعة
(الاتصال):
(لم تخلق الحياة جزءا يستطيع أن يعيش متصلا،
حتى الأموات الذين أتموا دوراتهم يبقى اتصالهم بأرواحنا،
والأحياء أنفسهم هل يستطيعون أن يعيشوا بغير أموات؟
هم في يقظاتهم يمشون وراء خواطرهم وأفكارهم
وهم في أحلامهم يعيشون في جزائرهم النائية. . .)
ثم قدمت لي المصادفة كتاب (المرملة) لماترلنك، فلمست بدهشة وتأثير (صوفيته العميقة) وإحساسه بالموتى الذين لا يموتون
(لنكن مطمئنين فالموت لا يحفظ لنا شيئاً أكثر تجهماً من الحياة، وما الموت إلا حياة لا ينفذ إليها نصب ولا حزن ولا شقاء! حيثما يقيم فالريح مقيم ولا شيء يضيع)
(لا نصلِّ من أجل الموتى! ولكن لنأتهم مبتهلين فان ما يملكونه لتقديمه إلينا أكثر مما نملكه لتقديمه إليهم)
ثم جاءت كلامة الأستاذ أحمد أمين تحمل إليك التعزية في الرجاء الذاهب والكوكب الغارب!
يقول بوذا:(لا تقيد نفسك بالمحسوسات، فالتقيد بها يشقيك. . . عش متجردا من كل حب محسوس وعلاقة محسوسة) وقد أجد في هذه الكلمة كل الشفاء لو تستقر في النفس. ولكن النفس التي تؤلف كل هذا المحسوس وترتبط به في كل لحظة وتعيش معه في كل مكان، كيف ينزع منها ولا تجد لنزعه مرارة؟ وكيف لا تحس به النفس وهي تغذيه كل يوم بدموع!
جميل أن أعيش بعيداً عن المحسوس، وأجمل منه هذا العقل الذي يغرس في قلبي هذا الإيمان المجرد؛ وهل أستطيع أن أبلغ الإيمان المجرد إلا بعد أن تجردني الحادثات وتنثر أوراقي كالشجرة التي لا تلمس نفسها وتحس وجودها إلا بعد أن تتجرد من أوراقها