مع الاعتراف بأن القلم في يد الكاتب نعمة لا يماثلها شيء من نفائس الوجود، فأنا كثير الضجر مما يجني علي قلمي، لأنه يتيح الفرص لمن يسرهم إيذائي، ولأنه يجعلني دائماً على بال الناس، ويا ويح من يشغل به الناس!
زرت مرةً إحدى المدارس الثانوية فوجدت ناظرها رجلاً مجهولاً من الدوائر الأدبية والاجتماعية، مع أن المرء لا يصل إلى مثل مركزه إلا بعد ظهور وبروز في الأدب وفي المجتمع، فقلت في نفسي:(هذا هو الرجل السعيد. إن منصبه يضارع منصبي من الوجهة الرسمية؛ وقد يكون راتبه أضخم من راتبي، لأنه قديم العهد بخدمة وزارة المعارف. ولكنه أسعد مني، لأنه بعيد من المجتمع، ومجهول من الجرائد والمجلات، فلا يتحدث عنه متحدث، ولا يتزيد عليه قارئ لا يفهم أسرار البيان)
ثم قلت:(أين حظي من حظ هذه الزميل؟ إن مقالاتي تؤخذ منها قصاصات لتقدم إلى وزير المعارف، فأنا على بال الوزير من يوم إلى يوم، أو من أسبوع إلى أسبوع. ومعنى هذه أني أقدم سريرتي قبل السؤال عما فيها من مجاهيل)
وعلى من يقع اللوم؟ يقع علي وحدي، فمن حق أي وزير أن يتعقب ما يصدر عن مساعديه من أفكار وآراء، ومن واجبه أن يناقشهم فيما يستوجب النقاش
والآفة الفظيعة أني مكثر، وقلما يسلم المكثار من العثار. يضاف إلى هذا قلمي يجول في شجون من الأحاديث تمس طوائف من المعاني الشوائك، فأنا أعرض نفسي لمتاعب لن تنقضي إلا يوم أتوب من صحبة القلم، ولن أتوب!
هل أصدق كل الصدق فأذكر أني شعرت بدمعة تساور جفوني يوم زرت ذلك الناظر السعيد؟
لقد تحزنت وتوجعت، لأني عرفت أن القلم لا يغنيني في حياتي كما يغني أمثالي في الأمم التي يعد قراؤها بالملايين، فلم يبق إلا أن أكون من الموظفين!
أين أنا مما أريد؟
أنا أريد النص على أن قلمي ساق إلى متاعب أخطر مما كنت أعاني، فقد نقلني من معاداة