للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

إلياس القنوع

عن ليو تولستوي

بقلم الأستاذ رمزي مزيغيت

أفاق إلياس يوما ليجد أن ولده وسنده الأوحد قد أرتحل عنه إلى الدنيا الثانية، تاركاً إياه وزوجته الفتية وحيدين معدمين، لا يملكان من حطام الدنيا إلا رقعة أرض صغيرة لا تكاد تأتيهما بما يسد الرمق

ولكنه تشدد وصبر على الخطب وقال له رابط الجأش. ثم اتكأ على عصا نفسه وسل صارم عزيمته وامتطى جواد الشبيبة ودفع به إلى حلبة الكد والجد. وانقلب إلى أرضه الصغيرة يحرثها وينقي تربتها ويسقي غرسها ويتعهد نبتها. وقضى في ذلك سنوات عدة لم يستبطئ خلالها النتائج أو يستكبر أن تكون. بل ثابر على العمل ووضب على مصادمة الأيام ومغالبة الحوادث، وثبت أمام العقبات يذللها بجد جاد وعزم وقاد حتى أتته منقادة إليه ونال من نتائجها ما يروم. فأصبحت أرضه الصغيرة سهلا شاسعا تؤتيه ثمرا شهيا وأكلا موفرا، وانقلب البيت الصغير الحقير قصرا منيفا يغص بالخدم والحشم. وتحدث الناس وتهامسوا - انظروا -، لقد أصبح إلياس من كبار الأغنياء، وغدت الحياة عنده جنة من جنان الله

وذاع اسم إلياس في كافة الأنحاء وعلت منزلته بين الناس، وتسابق كبار القوم وأشرافهم إلى كسب وده ومرضاته. فكان يرحب بهم ويحسن وفادتهم، فينصرفون وألسنتهم تلهج بشكره وحمده

ولم تمنعه علو منزلته وعظيم نعمته عن مواصلة الجد والاجتهاد ورعاية أملاكه ومواشيه بنفسه دون أن يعتمد على من كان يعمل في خدمته من عمال وأجراء

وكان لإلياس صبيان وصبية، وكان ثلاثتهم يأخذون بيده ويساعدونه في عمله يوم كان فلاحاً بسيطاً فقيراً. فلما أتسع رزقه زوجهم جميعا وأجرى عليهم من نعمه نصيبا كبيرا. ولكن الترف والبحبوحة أفسدا الولدين، فارتديا رداء الرذيلة وأعطيا النفس الصامتة هواها.

<<  <  ج:
ص:  >  >>