ولكن إذا كان الناس ينظرون للشعر هذه النظرة العظيمة، أليس من الخليق بهم أن ينهضوا به نهضة عظيمة، ويعلوا من شأنه إعلاء لا يجارى. أليس من الحرى أن يبوئوه مكانة بين العلوم الإنسانية حتى يمكنهم الحصول على ما يتوخونه له من نتائج هامة، فإن من أهم العوامل الضرورية في الشعر التفريق بين الغثّ والسمين، بين الجيد والسيء، بين الجميل والقبيح. فالشعر هو المرآة الحقيقية التي نصور بواسطتها الحياة في أحسن معانيها، وأبهى حللها، وهو المصلح الاجتماعي الأوحد الذي تتجاوز سلطته العقائد والقوانين، وتتعدى عرف المجتمع.
إن أحسن الشعر في رأي أرنولد ما أردنا إنشاءه ونظمه؛ فهو الذي باستطاعته أن يسرنا وأن يخلق فينا الأفكار والظنون التي نريدها. ويجب علينا دائماً عند دراستنا للشعر من مختلف نواحيه أن نخلق في أنفسنا روح الإعجاب بالحسن والاستنكاف للسئ أو الرديء. فإن أغراضنا وميولنا الشخصية لها قيمتها العظمى في الحكم على الشعر وتقديره بالميزان الحقيقي الذي لا غلط فيه ولا ميل. فكثيراً ما تقود الإنسان ميوله الشخصية إلى المبالغة في الأحكام التي يصدرها. وهذا مما يقود إلى ارتكاب الأخطاء، وتحمل المشاق في إصدار الحكم الذي يريده.
يعتمد جمال الشعر على المقدرة التقليدية أو الإبداعية عند الشاعر. ويختلف تقديرنا للشعر باختلاف جماله وابتداعه، فإن كان من النوع العالي، من النوع الخالد، وجب علينا تقديره والثناء عليه، وإن كان من النوع الرديء تحتم علينا أن نصب عليه جام غضبنا، وأن نظهره للناس بمظهره الحقيقي خالياً من الرونق والبهاء، وتقدير الشعر واستحسانه مصحوبان بالتمييز بين الحسن والسئ هما الغايتان الوحيدتان لدراسة الشعر والإقبال عليه. وكل ما يعوقنا عن نيل هذه الغاية فهو مضر وغير صالح.