وإذا كنا نرغب في دراسة الشعر الحقيقي كما هو دون أيما مبالغة أو عز، فما علينا إلا أن نظل مفتوحي الأعين بعيدين عن عالم الخرافة والكذب محاولين وزن القصيدة بقسطاس عادل، فنحكم على الشعر حكماً صادقاً. ويتحتم علينا عند دراستنا للشعر أن ننظر إليه نظرة نقدية من الوجهة التاريخية فنطلع تمام الإطلاع على الحقائق التاريخية ونحاول ربطها بما جاء في القصيدة أو الملحمة، ويجب على الشاعر عند انتخابه لأشخاص قصدته أن يتوخى الرجال المشهورين فيضع في كل ناحية من مناحي البطولة رجلها اللائق بها.
فأغنية رولند في رأيه تختلف تمام الاختلاف في معناها الشعري ومغزاها العاطفي عن قصائد هوميروس. وعندما ننقل بصرنا من هذه القصيدة إلى تلك نشعر كأننا انتقلنا من عالم إلى آخر مخالف له. وعلينا أن نزن كلمات الثناء والحمد وزناً فلا نضعها دون أي تمعن. وقد قال أرسطو قديماً: (إن الشعر يمتاز من التاريخ بميزات كثيرة أهمها الصدق والثبات اللذان لا يوجدان في التاريخ كوجودهما في الشعر. فإذا عبر الشاعر في قصيدته عن فكرة ما كان في شعره مثلاً أعلى للصدق والنزاهة يحاول جهده أن يعرض على قرائه وسامعيه أفكاره الحقيقية النزيهة دون أي رياء ونفاق. فمن الواجب المحتم على الشاعر إذن أن ينتقي مواضيع له سداها الصدق ولمحتها الثبات.
ويختلف شعر شوسر الشاعر الإنكليزي المعروف عن شعر سابقيه من ناظمي الملاحم والقصائد الطويلة في شيئين هامين: أولهما المادة، وثانيهما الأسلوب. فنشعر عند انتقالنا من قراءة شعر أسلافه إلى قراءة شعره أننا انتقلنا من عالم مادي إلى آخر ملؤه الخيال والابتداع. وامتيازه في مادة الشعر يتناول نظرته الواسعة نحو الحياة البشرية بما فيها من بساطة ودعة، جلاء ولطف، فله المقدرة الشعرية على اختراق حجب الحياة والتطلع بعين المستطلع نحو صور الحياة الحقيقية. وأما أسلوبه فيختلف عن أسلوب سابقيه اختلافاً واضحاً بيناً، فهو أول من وضع للشعر الإنكليزي صورته الحقيقية التي نشاهدها في عصرنا هذا. وقد أثنى عليه النقاد في مختلف عصور اللغة الإنكليزية، فمدحه جونسون، وأطراه درايدن.
وفي شعر شوسر نرى عذوبة وسلاسة لا نشاهدهما في شعر غيره من أسلافه ومعاصريه، فقد كانت له المقدرة اللغوية التامة للتحكم بألفاظ ووضعها في أوضاعها الحقيقية دون أي