الرضا والقناعة والصبر هي الصفات المميزة للفلاح المصري. تأصلت فيه بالطبع والوراثة والبيئة، فأثرت في حياته، وهيمنت على سلوكه، وتصرفت بهواه!
يستبد بحكمه طاغية كالحاكم بأمر الله فيستكين؛ ويثب على عرشه خصي ككافور فيخضع، وتملك عليه امرأة كشجرة الدر فيطيع؛ ويسيطر على أمره الأجنبي فيرضى؛ ويستأثر بخيره المستعمر فيقنع؛ ويحطمه بالذل صاحب الحكم فينقاد؛ ويسمع بالأحداث تتدفق على وطنه وتتواثب على قومه فلا ينبض فيه عرق ولا يغلى له جوف! كأنما كل امرئ في الريف أمة وحده: شأنه يغنيه، ورزقه يكفيه، وكوخه يؤويه، وكل ما خرج عن غيطه وبيته لا يعنيه!
تقرع سمعه الأحاديث النُّكر عن وزير من الوزراء نشأ على تلال القرية كما نشأ، وذاق بؤس الحياة كما ذاق؛ ثم رفعته الظروف المجيبة والظروف العجيبة إلى كرسي الحكم، فتاه وتكبر، ثم طغي وتجبر، ثم سرق وغصب، ثم جامل وحابى، ثم تاجر ورابى، ثم أمكن عشيرته من دماء الشعب وأموال الأمة ومرافق الدولة، فاستحلوا ما حرم الله، واستباحوا ما حظر القانون، وإستجازوا ما منع الخلق، فيسمع كل ذاك بأذن من طين، وأخرى من عجين، كما يسمع الصوفي المعتكف أنباء الرياضة أو أخبار البرصة!
لا يغضب لمضرة عامة، ولا يرضى لمنفعة بعيدة؛ إنما يغضب أو يرضى تبعا لما يلقى من الشر أو الخير في أهله أو حقله أو بهيمته. يرضى عن الحكومة ويصفها بالصلاح إذا أعفته من تكاليف الخفر، أو كافأته على حراسة النيل، أو خفضت له أجرة السفر على السكة الحديد، أو وزعت عليه بعض الفدادين، أو ارتفعت في عهدها بالمصادفة أسعار المحاصيل. ويسخط على الحكومة ويرميها بالفساد إذا ظهرت الدودة في حقول القطن، أو فشا الطاعون في حظائر الماشية، أو نقص الماء في قنوات الري، أو هبط سعر البيض في سوق البندر!
ذلك لأن الفلاح ابن الأرض، لا يكاد ينزع جسده من حضنها، ولا يخرج يده من بطنها، ولا يفهم الحياة إلا مضافة إليها أو مقدرة بها، ولا يمد بصره إلى أبعد من حدودها. والقائمون على أمره، القابضون على زمامه، لا يريدون أن ينبهوه إلى أن فوق هذه الأرض سماء فيها الروح، وفيها الطموح، وفيها الكرامة، وفيها الأمل، وفيها الرفعة؛ وأن اللاصق بالأرض