للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[غزل أبي فراس]

للأستاذ أحمد أحمد بدوي

غزل أبي فراس قصير النفس، لا يكاد يتجاوز ما أنشأه للغزل قصدا البيتين والثلاثة غالبا، مكتفيا بذلك في التعبير عما ألم به، من انفعال سريع.

أعرف شاعرنا الحب؟ أم أن غزله تقليدي لا ينبعث عن حب ولا عاطفة؟

أرجح أن الشاعر عرف الحب وتأثر به، بدليل هذه القطع التي نظمها خاصة في النسيب، ولم يقف عند حد المقدمات التي يفتتح بها بعض قصائده. ولم يكن أبو فراس ممن ينشئ الشعر إلا ترجمة لعاطفته، وتعبيراً عما في نفسه، ولكننا نكاد نلمس أن هذا الحب، ما كان يشغل من هذه النفسية الشاعرة إلا حيزاً محدوداً صغيراً، لأن هذا القلب الكبير كان في شغل بكبار الأماني وسامي الآمال، ولم يدع ذلك منه إلا فراغاً يسيرا تشغله هذه العاطفة القوية.

عرف شاعرنا الحب، ولعل من بادلها تلك العاطفة كانت قريبة له، وربما كانت جميلة بنت ناصر الدولة، فإنه أنشأ قصيدة يودع فيها بعض أهله، وقد خرجت تسعى إلىالحج، وهذه القصيدة تفيض بعواطف حارة متدفقة، ينم عنها بكاؤه، ويذكيها في صدره ما امتازت به تلك الفاتنة من غرام بالصون، وحب للحجاب حتى ليكاد وجهها تخفى معالمه على خدرها، وها هو ذا يقص علينا حديثه يوم سافرت تلك الحبيبة المصونة ولعلها جميلة:

أشيعه، والدمع من شدة الأسى ... على خده نظم، وفي نحره نثر

رجعت، وقلبي في سجاف غبيطه ... ولي لفتات نحو هودجه كثر

وفيمن حوى ذاك الحجيج خريدة ... لها دون عطف الستر من صونها ستر

وفي الكم كف لا يراها عديلها ... وفي الخدروجه، ليس يعرفه الخدر

وقد سجل في هذه القصيدة شعورا صادقا حيا. وإن شدة شعوره بحيوية تلك الحبيبة، جعلته يحس كأنها تبعث الحياة فيما يحيط بها، حتى في النبات والجماد، فيقول:

فهل عرفات عارفات بزورها ... وهل شعرت تلك المشاعر والحجر

أما اخضر من ريحان مكة ما ذوى ... أما أعشب الوادي؟ أما أنبت الصخر

وقد أنشأ هذه القصيدة في الغزل خاصة؛ وهي أطول شعره فيه، وربما ذاق من هذا الحب،

<<  <  ج:
ص:  >  >>