ينظر الشرق في هذا الزمن إلى فن الرقص نظرة احتقار واستنكار لأنه لا يعلم عنه أو لا يحب أن يعلم عنه إلا أنه مجلبة اللهو والسرور، وإرضاء للغرائز الحيوانية، ثم هو يعتقد اعتقاداً يبلغ حد الإيمان - ولعله صادق - أن جميع محترفات الرقص من الطبقة الفقيرة التي لا تكترث لعوامل الشرف والتقاليد لا كثيراً ولا قليلاً. . . أولئك اللائى لا يرقصن لأنهن يجدن فن الرقص ويلممن بأنواعه الكثيرة، بل لأنهن يرقصن لملء البطون وستر الجسوم وإرضاء الرجال ليس إلا. . .!
هو لا يعلم أو لا يحب أن يعلم أن الرقص من أروع الفنون وأبدعها إن لم يكن أروعها وأبدعها جميعاً، فقد ظهر مع الإنسان الأول (على الأرض) من غير تعليم أو تدريب، ومن غير قواعد مرسومة أو أصول موضوعة، ومن غير أن يعرف أن هذا الذي يقوم به ويؤديه سيصبح مع مرور الزمن وكر الدهور فنّاً ككل فن آخر له قواعده وأصوله، وقيوده وحدوده. . .
فالطفل الصغير الذي لا يفرق بين الجمر والتمر، تراه إذا صفا ناغى وناجى وأخذ يهز جسمه، ويحرك رأسه، ويلعب بيديه في حركات بريئة منتظمة تعطي للناظر صورة بديعة (للرقص) الساذج الفطري الذي يجري مع الدم ويتحرك مع كل حركة للطفل حركات مضبوطة (موزونة) كأنما تعلمها وتلقنها عن مدرس ماهر!
والعجيب في الأمر أن تلك الحركات الطبيعية التي تصدر عن الطفل لو وزنت (فنيّاً) وقدر لها مثلاً (نواراً) زمنياً لكل حركة لرأينا أنها تجري على هذا النمط، وعلى هذا التقدير دون أن تزيد أو تنقص أو تخل بهذا الحساب الدقيق!
هذا الطفل بذاته لو غضب، أو خاف، أو تألم لعبر عن غضبه وخوفه وألمه بحركات تختلف تمام الاختلاف عن أختها، ولأعطانا صوراً مختلفة صادقة لهذا الفن الطبيعي الذي يجري مع دمه كما قلنا والذي يسجل خلجاته تسجيلاً دقيقاً لأنه يقوم في هذا الدور مقام الكلام ومقام التعبير. . .