يا شباب الوادي! خذوا معاني العظمة في نسقها الأعلى من
سيرة هذا العصامي العظيم. . . . . . . . .
- ١٥ -
واتخذ دوجلاس للأمر عدته، لم يدع وسيلة أو يغفل عن حيلة، أما ابراهام فلم تكن به حاجة إلى ما يحتال به من أساليب التأثير المتكلفة الخادعة، فما هو إلا أن ينصت له الجمع حتى يبتعث اليقين ما قر في نفسه فيحرك به لسانه فإذا هو كالنهر الحادر يفهق بما لا يفتأ يواتيه به المنبع، ويجيش بهذا الفيض ويهدر، ويتدفق لا يصده عن وجهه شيء. . .
وكان لدوجلاس من بعد الصيت ما جعل اسمه ملء الأسماع في طول البلاد وعرضها؛ وكان في رأي الأمريكيين أقدر رجال حزبه وأكثرهم فطنة وأطولهم في السياسة باعاً وأقواهم بمصاعبها اضطلاعاً، بل لقد كان عند الكثيرين من ذوي الرأي أعظم رجال أمريكا كفاية وأعلاهم كعباً وأعزهم مكانة، وكان يلقب (بالمارد الصغير) أن كان له على صغر جرمه وقصر قامته قوة المارد وسلطان المارد ودهاء المارد، وكانت له حيوية غريبة تنقطع دونها حيوية الرجال، وتتقاصر عنها هممهم. والحق لقد كان دوجلاس يومئذ أنبه الناس شأناً وأعزهم نفراً وهو من عهد قريب لم يكن يسمع به أحد خارج الينواس
لذلك كان للناس عجباً أن يطاوله ابراهام وأن يدعوه إلى نزال. وأخذ من لم يكن يعرفه منهم هذا الفعل من جانبه على أنه ضرب من الغرور أو نوع من الغفلة، ولو أنهم عرفوا دخيلة صاحبهم الذي افتتنوا به وتبينوا ما هجس في نفسه من الخواطر إزاء هذا التحدي الجريء لأيقنوا أن جبروت ماردهم وأساليبه ما كانت لتغني عنه شيئاً من هذا العملاق الذي درج من الغاية ليقف أمامه كأنه السنديانة!