يخيل إلينا - كما يرى الكثيرون - أن التصوف هو أظهر حالات النفس وأقدرها على محاسبة الضمير وكشف حقيقته. قال ابن خلدون:(وأصله - أي التصوف -. . . طريقة الحق والهداية) وقال أيضا: (ويتم (بالمجاهدة) وجود النفس الذي لها من ذاتها وهو عين الإدراك) وقال الأستاذ لاَلَنْد:
. , ? ' ' ,
أي أن التصوف هو اعتقاد في إمكان حصول اتحاد تام مباشر بين الروح وحقيقة الإنسان. وقال الفيلسوف بِرْجِسون:
? ' , '
ومعناه أن الصوفي الحقيقي هو الذي يتخطى حجاب الحس الذي وضعته الطبيعة البشرية ليواصل بذلك العمل الإلهي.
يتضح من ذلك أن التصوف يحقق شرطي الدين وهما الاعتقاد والعمل. فتلاحظ إذاً أن معظم المتصوفة قد نشأوا في بيئة دينية إلا القليل منهم من ظل يعمل بعيدا عنه في الظاهر. ولما كان للروح العلمية اتجاه يختلف عن الاتجاه الديني في كثير من أغراضه وميوله، مال العلماء إلى التخلي عن الدين ورميه بالنقص. لهذا سنقصر بحثنا الآن على حقيقة الإيمان مع اتصاله بالعلم والفلسفة والتاريخ.
١ - العلم:
أحدث تقدم العلم في القرن التاسع عشر اضطرابا في الحياة الدينية أفضى إلى تمحيص الدين على ضوء القوانين العلمية. من ذلك لوحظ أن نظرية خلق العالم في سبعة أيام - كما هو وارد في معظم الكتب المقدسة - لم تتفق وقوانين العلم الكوني.
فإن اليهودية والمسيحية والإسلام ومعظم الأديان الأخرى نشأت كلها في الشرق فمن المحتمل إذا أنها تكاد تتحد في فكرة علمية واحدة. في فلسطين مثلاً ساد الاعتقاد قديماً أن الأرض محاطة بطبقة صلبة معلقة فيها الكواكب يعلوها عرش الله الذي يثبت الأرض وما عليها وهو منفصل عنها؛ ولكن علم الفلك أثبت أن العالم لا نهاية له، فيكون عرش الله