(إلى الذين يفهمون القصة على خير ما تفهم القصة على أنها لوحة نفسية، وطلال إنسانية، وفكرة من أعماق الحياة).
يا صديقي العزيز:
تسألني عن هذا السر الذي آثار فضول الناس، سر زواجي الذي لم يدم؟. . ولم لا تقول إنه أثار فضولك أيضا فكتبت إلى تسألني!؟ ومع ذلك فسأكشف لك عن سري الذي أصبح ذكرى. . . كل ما أرجوه منك أن تحتفظ بهذه الذكرى الغالية كما احتفظت بغيرها من ذكريات شبابنا. فلا تدعها أذن تترك مكانها من قلبك، حسبها أنها تركت مكانها من قلبي. . . لنقص عليك وحدك قصة الحرمان!.
أتذكر يوم كنت تصفني بأنني أضاع عمره محلقاً على أجنحة الخيال يرتاد عوالم مجهولة، ويطرق آفاقاً لم يطرقها مخلوق على أرض البشر؟!. أنا معك يا صديقي في أنني كنت وما أزل ذلك الإنسان الذي يقف على الأرض كما يقف غيره من الناس، ومع ذلك فهو يمد يديه إلى السماء ليلتقط النجوم!. . لقد كنت أعيش في دنياي الخاصة وكنت تعيش في دنياك، وعلى الرغم من هذا التناقض فقد التقينا حول مائدة العلم في الجامعة، لقاء شب من لحظاته الأولى بين أحضان الصداقة. . وكانت صداقة بريئة حلوة، لم يعكر صفوها بعد الشقة بين طبعي وطبعك، وبين مزاجي ومزاجك. أنت في أعماق الواقع وأنا في أعماق الخيال. . . ومع ذلك فقد التقينا في الجامعة، وتركناها ذات يوم إلى الحياة، وظللا كما كنا صديقين!.
وفرقت بيننا بعد ذلك الأيام، بقيت أنا في القاهرة وذهبت أنت إلى أطراف الجنوب. . . واختلف طريقي وطريقك ألم نكن دائماً في نظرتنا إلى الحياة مختلفين؟! لقد فضلت العمل في وظائف الحكومة وآثرت العمل الحر. . . أتذكر يوم خطر لي أن افتح محلاً لبيع الزهور في حي الزمالك؟ إنك رميتني بما كنت ترميني به دائماً يوم كنا في الجامعة. . .