وكنا نتهم شوقي بأنه كان يعيش معنا بجسمه، ومع شعراء الأجيال السابقة بروحه وفنه. . . فهو يردد أوزانهم ويقلد قصائدهم، ويتخذ مطالعهم، ويغزل في أول منظوماته كما كانوا يغزلون، ويعارض الحصري والبوصيري وأبا تمام والبحتري
كنا نعيب شوقي لأنه كان يصنع هذا، وكنا نعيبه لأنه لم ينظم للمسرح، فلما سمع إلينا ونظم المسرح أخذنا عليه المآخذ، وعددنا عليه الهفوات. . . والرجل العظيم عليه رحمة الله يصبر على ذلك ويبتسم، فلا يضيق بالنقد، ولا ينقم على النقاد، بل يبطل حجتهم بإخراج القطعة بعد القطعة، ونظم الغرة تلو الغرة، والنقاد الظالمون، لا غفر الله لهم ولا سامحهم، وإن كنت منهم، يلجون في غيهم، ولا يعجبهم من شوقي العظيم العجب، حتى أراحهم الله من شوقي، فنظروا حولهم، فإذا هم لم يستريحوا، وإذا هم يشعرون بفدح الخسارة التي منى الأدب العربي بها، والتي لم يستطيع أن يعوضها هذا الجيش العرمرم من الشعراء والشويعرين والمتشاعرين بمن فيهم من زيد ومن عمرو، ومن فيهم من هذا الذي كنا، في نوبة من الحماسة، نفضله على شوقي، ونزيف له أكاليل الغار، فلما مات شوقي، إذا إكليل الغار تمسخه الأقدار فيكون حزمة من القش. . . وإذا نحن نعترف في ذهول وحزن بأن الشعر العربي - أو الأدب العربي - قد أصيب بنكسة شديدة وارتكاس مؤلم، لأن النهضة التي بدأها شوقي وتركها وهي في المهد، لم يهيأ لها الشاعر الذي يرعاها ويبلغ بها شأو الطفولة. . . ولا نقول الصبا ولا نقول الشباب. . .
تلفتنا حولنا فرأينا الشعر العربي يعود إلى حدوده الضيقة التقليدية، ورأيناه لا يعدو القصائد والمقطوعات والموشحات، ورأينا تلك البداية المباركة التي بدأها شوقي تنطوي على نفسها فتصبح من المخلفات الأثرية في المسرح المصري، حتى أوشك الممثلون الأفذاذ الذين أدوا الشوقيات الرائعة ينسون أدوارهم، وحتى أوشك الناس ينسون تلك الشوقيات
ومع هذا فما زلنا نسمع من يجرؤ على التشدق بأنه أشعر الشعراء وسيد الأدباء، لا لشيء