أبد ما كان يخطر بالبال أو يقع في الظن أن الفساد وإن طم وعم يدنو من الأزهر وهو معقل الدين، ويعلق بالعلماء وهم وراث النبوة. ذلك لأن العقل لا يجيز أن يكون المصباح الذي يهدي هو الذي يضل، وأن الإكسير الذي يشفى هو الذي يُعل، وأن السائل الذي يطهر هو الذي يعدي! ولكن الأزهر الذي لزمناه اثنتي عشر سنة من أوائل هذا القرن نتفقه فيه ونتأدب لم يعد هو الأزهر. والعلماء الذي كنا نأخذ عنهم الدين بالاعتقاد، والخلق بالقدوة، والعلم بالعمل، لم يعودوا هم العلماء!
لقد استجاب الأزهر الحديث لدواعي الفتنة، وتأثر العلماء الأحداث
بعوامل المادة، وزُين للدينيين ما زُين للدنيويين من حب الشهوات،
فتنافسوا في المكاسب، وتفارسوا على المناصب، ورضوا بميسور العلم
حتى أنحصرهم الأستاذ في المقرر، واقتصر جهدا الطالب على
المقروء!
من أجل ذلك كتبنا وكتب المخلصون لدين الله ولرسالة الأزهر، نصف هذه العلل، ونستطب لها بالرجاء والدعاء؛ وما كانت وجهة رجائنا، ولا قبلة دعائنا، إلا أن يقيض الله لهذا الحصن الباقي من حصون الإسلام رجلا من أهله ينقذه من العصبية المفرقة، والمادية الموبقة، والعلم المشوب، والمعلم الجاهل، والمتعلم الفج، والكتاب المعقد. ثم لاحت تباشير الفوز في عهد الإمام مصطفى المراغي بعد أن حجبتها السحب الجون بموت الإمام محمد عبده؛ فتصارع الفساد والصلاح، وتعاقب الفشل والنجاح! ولكن الأرض كانت لا تزال نكدة فذوي الغراس وكذبت بروق الأمل.
وفي السنين العشر الأخيرة اجتاحت مصر كلها من شلالها إلى دالها جائحة من طغيان القصر وفجور الحكومة وعبث الأحزاب، ففسدت الذمم، وصغرت الهمم، ونغلت الصدور، ووقحت الأطماع، ففزع الناي إلى الله يستهدونه الطريق، ويستمدونه المعونة. ثم رفعوا أبصارهم إلى القيادة الدينية العليا، فلم يجدوا في الأزهر حرارة من نار سيناء، ولا شعاعة من نور حراء؛ فكادوا يضمرون اليأس من صلاح الحال، لولا أن نعَش الله عاثر الأمل