للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[بطل عرفته]

عبد القادر الحسيني بمناسبة ذكرى استشهاده

للأستاذ كامل السوافيري

يهتف بي الوفاء أن أذكر صديقاً وفيا، قائدا عربيا في مناسبة كريمة. أما ذلك الصديق فهو بطل العروبة المجاهد المرحوم عبد القادر الحسيني، وأما المناسبة فهي ذكرى استشهاده المجيدة إذ سقط في حومة الشرف في الثامن من أبريل سنة ١٩٤٨ وليس البطل بالرجل المجهول الذي يحتاج للتعريف، أو المجاهد المغمور الذي يتطلب الشهرة، فهو النجم المتألق في سماء الجهاد، والكوكب المشرق في أفق الوطنية، والسيف البتار في ثورة الحرية.

عرفت الشهيد إبان الثورة الوطنية الكبرى في فلسطين سنة ١٩٣٦ وهو يخوض المعارك الدامية ضد الجيش البريطاني المجهز بأحدث الأسلحة مع نفر من المجاهدين الأبرار فيسير النصر في ركابه، ويعود من المعركة وهو مكلل بأكاليل الفخر ثم توثقت بيننا أواصر الاخوة والصداقة وكلما امتدت الأيام بصداقتنا زدت إعجابا برجولته وتقديراً لشخصيته. ولعل أعظم نواحي إعجابي بالفقيد أنه قضى طفولته يمرح في أعطاف البشر، ويختال في رياض الأنس، وترعرع في أحضان النعيم حيث الثراء الواسع والجاه العريض، والمحتد الكريم، والمنبت العريق، وهذه العوامل تدفع الناشئ إلى الجنوح للدعة والركون للراحة والاستقرار، والنزوع نحو الرغبات والملذات، ولكنها لم تؤثر على عبد القادر، إذ تمرد على بيئته وانتقل من الحياة الناعمة حيث الفراش الوثير والماء النهير والطعام الشهي إلى الحياة القاسية حيث يفترش الصخر، ويتوسد الحجر ويطوى جوفه على الجوع ويهجر الرقاد ويمتطي الأهوال سعيداً بذلك طيب النفس قرير العين.

وأذ كانت النفوس كباراً ... تعبت في مرادها الأجسام

ولقد كان البطل كامل الرجولة واضح المعالم في كل أمر من أموره، ينطق بالحق ويؤمن بالصدق ويدين بالعدل ويفي بالوعد ويواجهك بما فيك، ويصارحك بالأمور وقد جنت عليه صراحته إذ خلقت له الخصوم والأعداء، ولكنه لم يعبأ بهم ولم يحفل بخصومتهم لأنه كما يعتقد أرضى خالقه، وأراح ضميره.

وقد سطر له التاريخ أنصع صفحات التضحية والبذل، التضحية بالنفس والمال والراحة لقد

<<  <  ج:
ص:  >  >>