تهمنا ناحية خاصة من تعاليم الفيلسوف سقراط، التي سجلها أفلاطون في (الجمهورية) وهي رأيه في تعليم النساء؛ فقد كان يقول بوجوب تعليم الممتازات منهن تعليما لا يختلف عن تعليم الرجال الممتازين، لاعدادهن لتولي منصب الحكام الفلاسفة في المدينة النموذجية، إذ لا يرى اختلافاً جوهرياً بين استعداد المرأة واستعداد الرجل. يرى سقراط هذا الرأي في وقت انحطت فيه مكانة المرأة في أثينا وأصبحت لا تمتاز من الأرقاء إلا قليلاً؛ وبالرغم من أنه كان يعيش مع زوجة يضرب بها المثل في شراسة الطباع ورعونة الخلق. وهذا لا شك برهان قوي على استقلال رأي الفيلسوف وسموه على الآراء السائدة، والمؤثرات الخارجية،
واعترفاً بفضل سقراط على المرأة سأبين فيما يلي ما عاناه من عنت زوجه (زانتيب) في يومه الأخير بداره قبل القبض عليه، مستعينة بالرواية التي وضعها عن حياة الفيلسوف.
في صباح يوم راق جوه، وسطعت شمسه، آثر سقراط البقاء في منزله على غير العادة، فلم يخرج للحوار والمجادلة في أسواق أثينا، وإنما جلس على مقعد خشبي عتيق في فناء داره التي كانت يستعملها غرفة استقبال - وأخذ يخصف حذاءه؛ ولعل ذلك ما منعه عن الخروج ذلك اليوم؛ وتلك عملية كانت تجدد ولا شك كل بضعة أسابيع، لأن الفيلسوف كان لا يستعمل شيئاً أكثر من نعليه سوى لسانه!
وبينما هو على تلك الحال، ولحيته الطويلة البيضاء المرسلة تكاد تخفي الحذاء وتعوق سير العمل، اذ بزوجته زانتيب تنقض عليه انقضاض الصاعقة وتفاجئه قائلة:
- أنت هنا يا سقراط؟
- نعم: ييا زانتيب، ولكن لا أفهم المقصود من تلك العبارة. .؟
- وما الذي تفهم من شئون الحياة؟ سأفرغ من اعداد طعامك بعد دقائق. .