ما من شك في أن فكرة الاستغلال الاقتصادي هي الأصل في الاستعمار، فقد نشأت نتيجة لتطور الاختراعات ووجود أزمة المواد الأولية في دول قادرة على الصناعة الضخمة السريعة، بينما توجد بلاد عاجزة عن الاستغلال وتتوفر لديها المواد الأولية بكثرة في نفس الوقت. ثم استتبع ذلك حاجة الدولة المستغلة إلى إرسال أفراد إلى هذه البلاد، لكي يشرفوا على العمل في أرض عجز أهلها عن التنظيم والعمل، طبقاً للنظريات الحديثة. وهكذا نشأت فكرة الاستيطان في البلاد المستعمرة، أي أنها كانت تستند إلى عامل زيادة الإنتاج وتغذية المصانع بأكبر كمية مستطاعة من تلك المواد الأولية.
وإذا نحن انتقلنا إلى الاستعمار الفرنسي في شمال أفريقية وجدنا أنه تعدى هذه الحدود تعديا مخيفاً، إذ اتخذ شكل هجرة كان للسياسة فيها دخل كبير، وكان الأساس الظاهري الذي تستند إليه هو أن المنتج الفرنسي أقدر من المنتج المحلي، ولذلك برزت فكرة انتزاع الأراضي وتوزيعها على المستعمرين الفرنسيين لتحقيق هذه المصلحة العامة. . . المصلحة العامة التي لا تدخل في حسابها مصلحة الأهلين.
أما في الحقيقة فإن فرنسا كانت تستند في إرسال المستعمرين إلى شمال أفريقيا إلى بواعث سياسية منذ احتلت جيوشها الجزائر سنة ١٨٣٠، وقد كان شعار الكونت ديسلي المحارب (الفتح بالسيف والمحراث). وقد ظلت هذه العبارة شعارا للاستعمار الفرنسي في أفريقية الشمالية إلى اليوم.
وليست مشكلة الجنسية التي أثارتها فرنسا في الجزائر ببعيدة عن سياسة نزع ملكية الأراضي، لأنها كانت تعمل على تفتيت القومية الجزائرية بإدخال عنصر جديد إلى البلاد عامل ونشيط، وإذا لم يكن من المستطاع أن تكون فيها أغلبية عددية فإنها كانت تفكر في إنشاء أقلية أكثر أهمية من الأغلبية العددية، وذلك بما يتوفر لديها من نشاط وقدرة وتفوق. ولذلك نجد أن فرنسا كانت تمنح جنسيتها للمواطنين بشروط معينة، ثم نجدها بعد ذلك قد منحت هذه الجنسية لليهود الجزائريين جملة واحدة بمقتضى قانون ١٤ أكتوبر سنة ١٨٧٠.
ولا محيد لنا عن الإشارة إلى نشأة الاستعمار الفرنسي في الجزائر إذا نحن أردنا نفهم هذا