للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من ذكريات لبنان]

كيف كنت غيري؟

للأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني

كنا نقصف - ذات ليلة - في فندق كبير في (ظهور الشوير). والقصف أن نشرب ونضحك ونأكل - بعيوننا - الفتيات الممشوقات اللواتي يخطرن في الرقص مع السعداء من الشبان، وكانت الأنوار في المرقص ألوانا شتى متعاقبة، وكان الضوء الأرجواني - حين ينساب الفتيات فيما يترقرق عليهن منه - أقوى فتنة وأشد إغراء، فكنا ننهض عن المائدة ونتزاحم على أبواب المرقص، وعيوننا تكاد تخرج من فرط التحديق، وكانت هناك فتاتان تتراقصان وتأبيان أن يخاصرهما الرجال، وكانتا ساحرتين - في جمالهما، ودلهما، ولعبهما، وحركاتهما. فأغريت بهما أحد رفاقي - وكان يجيد الرقص - وأنا أقول لنفسي: (إذا راقص إحداهما عرفناهما جميعا وفزنا بصحبتهما) ولكنهما ردتاه ببسمة وكلمة رقيقة لا تغني ولا تسمن. فقلت لنفسي: (لم يبق لها إلا رجالها) ودنوت منهما وقلت وأنا أتناول كرسيا وأجلس بغير استئذان:

(أمن قلة في الرجال تتراقصان؟)

فقالت إحداهما - بعد أن ألقت إلى صاحبتها نظرة: (بل من كثرتهم!)

فقوى قلبي أنها ردت، فقلت: (اسمعا مني. إن هذه النظرات الخبيثة التي تتبادلانها لن تجديكما. (ضحك) وأنا باسم هؤلاء الشبان الكثيرين الذين لا أعرف أسماءهم ولا أحب أن أعرفها. . . .)

فسالت إحداهما: (لماذا؟)

فقلت: (لا تقاطعي من فضلك! ثم إن هذا شأني وحدي، وعلى ذكر ذلك أسألك. . . هل أنت مصرية مثلي؟)

فقالت الخبيثة - أعني التي تتكلم -: (هل أنت مصري؟)

فصحت بها: (يخرب عقلك! وهل ترين أني أتكلم إلا كما يتكلم المصري؟)

فضحكتا وقالت الأخرى: (هذا أحسن. لقد كنت أسأل نفسي أين يا ترى رأيتك؟)

فقاطعتها: (نعم إني أراك دائما. . . .)

<<  <  ج:
ص:  >  >>