كنا نقصف - ذات ليلة - في فندق كبير في (ظهور الشوير). والقصف أن نشرب ونضحك ونأكل - بعيوننا - الفتيات الممشوقات اللواتي يخطرن في الرقص مع السعداء من الشبان، وكانت الأنوار في المرقص ألوانا شتى متعاقبة، وكان الضوء الأرجواني - حين ينساب الفتيات فيما يترقرق عليهن منه - أقوى فتنة وأشد إغراء، فكنا ننهض عن المائدة ونتزاحم على أبواب المرقص، وعيوننا تكاد تخرج من فرط التحديق، وكانت هناك فتاتان تتراقصان وتأبيان أن يخاصرهما الرجال، وكانتا ساحرتين - في جمالهما، ودلهما، ولعبهما، وحركاتهما. فأغريت بهما أحد رفاقي - وكان يجيد الرقص - وأنا أقول لنفسي:(إذا راقص إحداهما عرفناهما جميعا وفزنا بصحبتهما) ولكنهما ردتاه ببسمة وكلمة رقيقة لا تغني ولا تسمن. فقلت لنفسي:(لم يبق لها إلا رجالها) ودنوت منهما وقلت وأنا أتناول كرسيا وأجلس بغير استئذان:
(أمن قلة في الرجال تتراقصان؟)
فقالت إحداهما - بعد أن ألقت إلى صاحبتها نظرة:(بل من كثرتهم!)
فقوى قلبي أنها ردت، فقلت:(اسمعا مني. إن هذه النظرات الخبيثة التي تتبادلانها لن تجديكما. (ضحك) وأنا باسم هؤلاء الشبان الكثيرين الذين لا أعرف أسماءهم ولا أحب أن أعرفها. . . .)
فسالت إحداهما:(لماذا؟)
فقلت:(لا تقاطعي من فضلك! ثم إن هذا شأني وحدي، وعلى ذكر ذلك أسألك. . . هل أنت مصرية مثلي؟)
فقالت الخبيثة - أعني التي تتكلم -: (هل أنت مصري؟)
فصحت بها:(يخرب عقلك! وهل ترين أني أتكلم إلا كما يتكلم المصري؟)
فضحكتا وقالت الأخرى:(هذا أحسن. لقد كنت أسأل نفسي أين يا ترى رأيتك؟)