مما يبعث السرور في النفس وسط ما يحيط بنا في هذه الأيام من مصاعب ومنازعات أنم نرجع إلى محكمة جاءت على لسان ماتيو آرنولد الفني العظيم حيث يقول:
مثل الرجل الذي يميل الى الفن ثم يبتغي لهذا الفن غذاء في غير مخلفات الإغريق، وكذلك الذي يميل إلى الشعر من غير أن يستعين في تنمية هذا الميل بهوميروس وأبي العلاء وشكسبير وجوته، كمثل من يلتمس التهذيب والخلق القويم في غير الكتب السماوية!
وعلى ذلك يقرر آرنولد أن من الكتب السماوية ومن هوميروس وأبي العلاء وشكسبير وجوته، ومن الفن الإغريقي، مجموعة تلك المخلفات القديمة العظيمة الخالدة، هي التي ستبقى أبداً الباعث القوي والمثال الحي والمعين الذي لا ينضب لأعمال الإنسان!.
أكتب هذا بمناسبة خطاب وصلني من (قارئ) يعتب على الكتابة في فن الإغريق، في وقت ظهرت فيه القنبلة الذرية - ويقول أنه يرى من الخير معاصرة باحث الفن وناقده ومؤرخه للوقت الذي يعيش فيه؛ فيكتب في الفن الحديث وفي اتجاهاته ومدارسه.
وهذا قول لا غبار عليه لو أردنا الكتابة لمجرد الترفيه عن القارئ بكتابة ما يلذ له أن يقرأ، ولكن (مجلة الرسالة) التي كافحت ستة عشر عاماً في خدمة الأدب والعلم والفن الرفيع ولم يزل صاحبها مرة إلى السوق ليعرف مطالبه، بل ظل رابضاً كالأسد يرفع من مستوى الناس ولا يهبط هو إليهم، حتى ولو عاد عليه هذا الهبوط بالرواج العظيم - ليست المجلة التجارية التي تريد اكتساح السوق!
ولما كنت أعتقد أن الخير كل الخير هو تثقيف القارئ تثقيفاً فنياً يعود عليه بإدراك معنى الفن إدراكا سليما فيرى ويسمع ويفرق بين الجيد وغير الجيد؛ رأيت أن أكتب عن الإغريق غير مهتم بتسلية القارئ والترفيه عنه.
ولا أنكر أن معظم الناس يعتقد في هذه الأيام بعد ظهور الاختراعات الحديثة كالقنبلة الذرية