هناك نوع من الأدباء يحيرني إذا ما حاولت أن أتحدث عنه: هل أصفه بأنه لا يجيد القراءة، أم أصفه بأنه لا يحسن الفهم، أم أصفه بأنه يجهل أصول التفكير وطرائق التعبير؟ إذا أطلقت عليه كل هذه النعوت فاعذرني. . لأنه يحيرني! ولست والله غالياُ إذا قلت لك أن هذا النوع من الأدباء يستطيع أن ينطقك بما لم تفه به، وأن ينسب إليك ما لم تهدف إليه، وأن يناقشك بعد هذا كله في الموضوع طبقاُ لمزاجه هو لا طبقاُ لمزاجك، ورفقاُ لهواه هو لا ورفقاُ لهواك، ولا بأس عليه أبداُ من أن تغفر فاك من الدهشة ما دام هو قد فغر فاه ليتثاءب، منتظراُ أن تقول له محيياُ بعد نشوة السبات العميق. . صح النوم وطابت الأحلام يا صاحب المزاج الرقيق!
من هذا النوع من الأدباء ذلك الأديب العراقي الذي كتب عن (الواقعية الفنية) في العدد (٩٤٨) من الرسالة، معقباُ على رأي لي كنت قد سجلته حول هذه الواقعية منذ أسابيع. . لقد ذكرني الأديب العراقي وهو يعقب على أفكاره لم تخطر لي على بال، ذكرني بقصة ذلك الزعيم المصري الذي قيل له أن أجر العامل قد بلغ في اليوم جنيهاُ في السويد، فهتف وهو لا يملك شعوره من دفقة البهجة ولا لسانه من غلبة السرور: عظيم!. . عظيم جداً!. . عظيم والله أن يحصل العامل على مثل هذا الأجر في السويس!
لا فرق أبداً بين فهم هذا النوع من الأدباء وبين فهم هذا الزعيم (الفهيم). . تتحدث عن السويد فيحسبونها السويس، وعن الأسكندرونة فيتوهمونها الإسكندرية، وعن النيل فيتخيلونه الدردنيل! ثم لا يقفون عند هذا الحد من الغفلة ولا يقنعون بهذا الحظ من الذهول، ولكنهم يجدون الجرأة العجيبة على التهجم عليك مفترضين أنهم على حق وإنك على الباطل، ولا يتحرج منطق الغافلين والذاهلين من أن يقدم إليك الدليل!
يقول الأديب العراقي الذي يمثل هذا المنطق أو يمثل ذلك النوع من الأدباء. . (ويحضرني الآن رأي الأستاذ المعداوي في العدد (٩٣٩) من الرسالة إذ قال: الواقعية ضربان، واقعية أولى ويكون فيها نموذج الشخصية موجوداُ (بالفعل) في الحياة، والواقعية الثانية، ويكون