١ - أبو محمد عبد الله بن المقفع كاتب بليغ مشهور امتاز بأسلوبه الجميل السهل الرشيق، لا أعرف بين أدبائنا القدماء والمحدثين من هو أقدر منه على الكتابة والتعبير إلا عمرو بن بحر الجاحظ. كان ماهرا في تصور طبائع الناس وأهوائهم وميولهم، احتوت كتبه الحكمة والأدب والأمثال، كما احتوت قواعد عامة في الإدارة والسياسة والأخلاق
٢ - وهو فارسي الأصل اسمه في الفارسية (روزبة) ولد في (خوز) من أعمال خراسان حوالي سنة ١٠٦ هجرية. ونشأ في البصرة، وقد ظل يدين بالمجوسية دين آبائه حقبة من الزمن، ثم اعتنق الإسلام وقد بلغ السابعة والعشرين من عمره، قال الهيثم بن عدي يذكر قصة إسلامه:(جاء ابن المقفع إلى عيسى بن علي عم المنصور، فقال له: قد دخل الإسلام في قلبي وأريد أن أسلم على يدك، فقال له عيسى: ليكن ذلك بمحضر من القواد ووجوه الناس، فإذا كان الغد فاحضر؛ ثم حضر طعام عيسى عشية ذلك اليوم، فجلس ابن المقفع يزمزم على عادة المجوس فقال له عيسى: أتزمزم وأنت على عزم الإسلام؟ قال: أكره أن أبيت على غير دين)
٣ - وكما اشتهر عبد الله أنه كاتب كبير، فقد اشتهر أنه مترجم قدير لا تلمح في ترجمته أثر العجمية، فهو أول من اعتنى في الإسلام بترجمة الكتب القيمة، ترجم كتب أرسطو الثلاثة في المنطق، ونقل كتاب (التاج في سيرة أنوشروان)، وقيل إن كتاب (كليلة ودمنة) كان باللغة الفارسية فنقله إلى اللغة العربية. قال الباقلاني:(ابن المقفع ينحط إذا كتب ويعلو إذا ترجم، لأن في الأولى عقله وفي الثانية كل العقول)
وقال الجاحظ:(كان ابن المقفع مقدما في بلاغة اللسان والقلم والترجمة)
٤ - لابن المقفع من الكتب كتابا (الأدب الصغير والكبير) وكتاب (الدرة اليتيمة)، وكتاب (التاج في سيرة أنوشروان)، وكتاب (كليلة ودمنة)؛ وكتب في المنطق. وهذه الكتب منها الموضوع ومنها المنقول، فكتابا (الأدب الصغير والكبير) و (الدرة اليتيمة) من تأليف ابن المقفع؛ أما كتب المنطق وكتاب (التاج) فهي منقولة عن الفارسية التي يجيدها الكاتب إجادة عجيبة، واختلف أهل الأدب في حقيقة كتاب (كليلة ودمنة)، فمنهم من قال إن ابن المقفع