بشار بن برد شاعر مطبوع خلاق، نقل الشعر العربي من جفوة البداوة إلى رقة الحضارة، فنهج به في الأداء منهجاً مطرد القياس، سهل المخرج، وحمله من المعاني كل بديع مخترع، فسمي لذلك أبا المحدثين وشيخهم. ولقد كان فوق ذلك ثرّ القريحة، فياض الشاعرية، واسع المجال، حدث عن نفسه قال: لي اثنا عشر ألف بيت عين، فقيل له هذا ما لم يكن يدعيه أحد سواك!! فقال: لي اثنا عشر ألف قصيدة لعنها الله ولعن قائلها إن لم يكن في كل واحدة منها بيت فرد
ولكن هذه الثروة الشعرية الضخمة ضاعت في أجواء العصور الخالية، وذهبت بين سمع الأرض وبصرها، ولم يصلنا منها إلا نتف قصيرة جاءت في الأغاني وفي غيره من كتب الأدب والتراجم. ولقد اخبر العلامة المرحوم أحمد تيمور باشا منذ سنين بأن نسخة خطية من ديوان بشار موجودة في تونس لدى الأستاذ حسن حسني عبد الوهاب عضو المجمع العلمي بدمشق وانه شارع في طبعه واخراجه، فتلهفت نفوس الأدباء على تحقيق هذه الأمنية العزيزة، وكتب بعضهم في مجلة المجمع العلمي يستحث همة الأستاذ حسن حسني على الإنجاز، وتقدم السيد بدر الدين العلوي بكلمة قال فيها أنه وجد نسخة عنوانها: المختار من شعر بشار في حيدر آباد بالهند، وهي من اختيار الخالديين أبي بكر وأبي سعيد شاعري سيف الدولة وخازني دار كتبه، وعليها شرح من عمل أبي الطاهر إسماعيل بن احمد بن زيادة من أدباء القرن الرابع، ثم ذكر أنه يستعد لطبع هذا المختار وإخراجه في اقرب نهزة بمساعدة الأستاذ عبد العزيز الميمني المدرس بجامعة عليكرة، ثم ناشد الأستاذ حسني عبد الوهاب أن يعينه وان يخبره عن النسخة الموجودة لديه فلعلها تكون نسخة أخرى من المختار، ولكن الأستاذ حسني ضجع في الأمر ولم يسعف، وبقى الأستاذ بدر الدين عند وعده ومازال حتى أدى الأمانة ووفي دين العربية فدفع بالمختار منذ حين إلى (لجنة التأليف والترجمة والنشر) فجلته للناس في ثوب قشيب، صقيل الورق، جيد الطبع، دقيق التصحيح، مستوفي البيانات والتعاليق، مذيلاً بالفهارس الكاملة، والفوائد المتممة. .