ولقد قرأت الكتاب فرأيته لا يشتمل على مقدار كبير من شعر بشار، ولكن اكثر ما به من القصائد والمقطوعات لا يوجد في غيره من كتب الأدب المعروفة. ويبدو لي أن الكتاب لا يشتمل على كل ما اختاره الخالديان بدليل قول الشارح:(ورأيت بعد نظري في اختيار الخالديين وما اخترته منه. . ص٨)، وقوله في النهاية (انتهى اختيارنا فيما وجدناه من المختار من شعر بشار. .)، فكأنه قد اختار بعض ما اختاره الخالديان، بل إن كلمة (وجدناه) تدل على أن ما اختاره الخالديان لم يقع جميعه بالشارح
أما الكتاب من حيث هو فروض أدب حافل، يأتي عليه القارئ بلذة وشغف؟ فقد نهج الشارح في شرحه منهج الاستطراد، يذكر أبيات بشار ثم يشرحها شرحاً لغوياً وافياً إن كان بها من الألفاظ ما يستغلق على القارئ، ثم يذكر ما لها من الأشباه والنظائر لفظاً ومعنى في شعر المتقدمين الذين اخذ منهم بشار، أو المتأخرين الذين اخذوا عن بشار؛ والرجل يطيل كثيراً في سرد الأشباه والنظائر كأنه يباهي بكثرة محفوظة، وقد يذكر ما يتصل بذلك من أخبار الشعراء ونوادرهم مما جعل الكتاب حافلاً ممتعاً، تظن وأنت تقرأ فيه انك تقرأ في (البيان والتبيين) أو في (زهر الآداب) أو في غير ذلك من الكتب التي تشتمل على أمشاج من الأدب، وصنوف من المعارف. .
وقد يكون من الإنصاف أن نذكر بالثناء المجهود الكبير الذي بذله الأديب الناشر في إخراج الكتاب وضبطه وتصحيحه وتعليق الفوائد عليه وتخريج أبياته، كما لا يفوتنا أن ننبه إلى بعض هفوات قد ندت عن خاطره اليقظ، فمن ذلك أنه نظر في قول الشارح:(ولكنه لتراخي الحالب وتضجيعه ص١١٢) فلم يطمئن لكلمة تضجيعه وقال لعلها تضييعه، وكلمة التضجيع اصح وأدق وهي التي أرادها الشارح، فإنه يقال ضجع فلان في الأمر إذا تراخى فيه وأهمله
ومن ذلك أنه قيد كلمة (الحبوة) بالضم في قول الشارح (فما حل حبوته ولا كلمهم حتى قضى سبحته ص١٩٣) وإنما هي بالكسر، أما بالضم فمعناها العطاء ولا يصح هذا المعنى في هذا التركيب
ومن ذلك أنه علق على قول عدي بن الرقاع (ص٢١٦) فكأنها بين النساء أعارها عينيه أحور من جآذر (عاسم) فقال يروي عاسم وجاسم، وذكر أن عاسماً اسم موضع، قلنا وقد