في بريد الرسالة بالأمس كتاب بالفرنسية، أنيق الشكل، جيد الخط، رائق الأسلوب، في رأسه وفي ذيله قرأته فذكرت بأسلوبه وإمضائه تلك المقالات الرقيقة التي كانت تتألق بالذكاء النسوي المصري في صدر (الليبرتيه) أيام كان يصدرها الأستاذ (ليون كاسترو). وسواء أكانت (الحياتان) واحدة أم اثنتين، فأن الأدب الذي يصدر عن هذه النفس والثقافة التي تظهر في هذا الأدب، يحملاننا على أن نناقش الآنسة الفاضلة في هدوء المنطق، ونعاتبها في حدود الرفق، ولا أقول إني أصطنع القول اللين، والحجاج الهين، لأن ذلك واجب الرجل في خطاب المرأة، فأن الآنسة تقول:(وما اعترفت منذ عرفت الرجل وسبرت قواه في مطالعاتي واختباراتي أن له من المزايا الفطرة ما يجعله قيماً على المرأة، وأن من هوان نفسي عليّ أن أقبل منه العطف لأني ضعيفة، أو اللطف لأني امرأة. . .)
شغلت الآنسة الصفحة الأولى من كتابها، بتقريظ الرسالة وكتابها ونحن مع الشكر لها نعتقد مخلصين أن مجهود الرسالة لا يزال لضآلته أبعد ما يكون عن تحقيق الأمل واستحقاق الحمد، ثم قالت:(ليس قصدي من هذه الكلمة أن أكون معك أو عليك فيما كتبته موفقاً عن المرأة، فأني أعتقد أن هذه المسألة لا تتعلق إلا بنا، ولا يكون الحكم فيها إلا لنا، وما دخول الرجل فيها إلا أثر من اعتقاده القديم أن في يده زمام هذا الجنس المنكوب يرخيه ويشده على هواه ` والأمر لا يخرج على كونه نظاماً طبيعياً يجري على سنة الحياة من هيمنة القوة على الضعف، وطغيان الأثرة الباغية على العدل الذليل. . . فحرية المرأة كحرية الأمة سبيلها الفعل وحجتهما القوة، أما الدفاع بالقول والإقناع بالحق فأصوات مبهمة كزفيف الريح المحبوسة في مخارم الجبل لا تدل على الطريق ولا تساعد على الفرج. لا أقصد كما قلت أن أناقش رجلاً في موضوع لا شأن له به، إنما أريد أن أقول لك إذا كان رأيك في المرأة هذا الرأي، وعطفك عليها هذا العطف، فلم حرمتها أن يكون لثقافتها مظهر في الرسالة بجانب ثقافة الرجل؟ فإن من يقرأ الرسالة في غير مصر يظنها تصدر عن بلاد كبلاد (الأسطورة الصينية) ليس فيها امرأة. .
سأنزل في الجواب على إرادة الآنسة (حياة) فلا أخوض معها في حديث المرأة، ولا أعتب