ليس لديه من دواعي السلطان غير رتبة البك، أما المال فحظه الحقيقي
منه قد لا يسلكه حتى في أمثالنا من عباد الله القانعين المتواضعين؛
ومع ذلك فقد توافى له من البأس والسلطان ما يندر أن يتوافى لغيره
من ذوي الثراء العميم والحسب القديم. وأتفق له في غير مشقة من
وسائل جمع المال ما لو أنفق لسواه من أهل الكدح والجد لعد عندهم
من أنعم الله التي ينسى معها كل عنت ويهون في سبيلها كل نصب. .
. وهو والحق يقال أحد أفراد أسرة فيها من رزق حظاً عظيماً من
الثراء وإن لم تكن كغيرها من الأسر الكبيرة القائمة حولها معرقة في
الفضل والحسب
كان يتداخلني العجب كلما ترامى إلى شيء من أنبائه، حتى لقد تاقت نفسي آخر الأمر إلى رؤيته كما كانت تتوق وهي غريزة إلى رؤية الغول ولكن على بعد وفي مأمن من أظفاره وأنيابه، وكما قد تتوق اليوم إلى رؤية الدتشي مثلاً وغيره من غيلان الإنسانية رؤية آمنة في غير الورق أو السينما! ولقد تميل النفس إلى رؤية ما تكره كما تميل إلى رؤية ما تحب وهذه من عجائب غرائزها!
وتحققت لي رؤيته أخيراً في قريتنا وهي ملتقى عدد من القرى بينها قرية ذلك الآمر الناهي. وكان ساعة رأيته يجلس في حاشية من (محا سيبه) أمام مقهى من المقاهي على الطريق العام، وهو لا يحلو له الجلوس إلا حيث يراه الغادون والرائحون، فما يراه أحد من ذوي المكانة إلا أقبل عليه مرحباً مسلماً، وما من صاحب حاجة إلا ويشكو إليه حاجته ويلتمس عنده طلبته
وجلست غير بعيد أنظر إليه في جلبابه الفياض وقد دفع طربوشه إلى مؤخر رأسه، واتكأ على عصاه تحت إبطه، وشمخ بأنفه، ورفع رأسه إلى آخر ما يسمح به وضع طربوشه