للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[درس في التصوف]

للأستاذ زكي نجيب محمود

- مالي أراك يا بني مزوراً عن الدرس نافراً؟

- أخشى، يا أبتاه، أن يثقل على سمعي فيثقل ذلك على نفسك، فما لشبابي الغض وهو في شرخه وعنفوانه ولهذه النظرة البائسة العابسة، وهي نظرة المدبرين العاجزين

- انظر يا بني إلى هذا الفضاء الطليق، وأرسل بصرك في أرجاء الكون الفسيح. . . أو ينقص من عنفوان شبابك يا بني أن تكون هذا السيل الدافق وذلك الطود السامق؟ هل يحد من شبابك يا بني أن تكون هذا البركان الفوار وذلك الخضم العنيف الجبار؟ هل يضيرك يا بني أن تكون هذه الزهرة في رقتها وجمالها وهذا الليث الكاسر في جده وصرامته؟

- ومالي ولهؤلاء يا أبتاه، وأنا إنسان، وهي من الجماد والنبات والحيوان؟

- أنت يا بني كل هؤلاء؛ وهؤلاء كلها أنت. . . أنت الكون العظيم بكل ما فبه من قوة وفتوة وجلال وجمال. . .

ولكني يا أبت أراني فرداً واحداً محدوداً، فها هي ذي حدودي أراها بعيني وأحسها بأصابعي

- ذلك يا بني عند النظر الضيق السقيم، أو إن شئت فقل هذه لغة العيون والأيدي، ثم هي كذلك لغة العقل وحده، وهذه كلها أدوات لم يخلقها الله إلا لتفهم المادة المحدودة بالموازين والمكاييل. . .

- فأن لم أركن يا أبت إلى حواسي وعقلي، فإلى أي شيء أركن في فهم الوجود؟

- إلى فطرة عليا يا بني، هي فوق العقل والحواس. . . اركن يا بني إلى البصيرة لا البصر، فالبصر خادع خادع خادع، فهو تارة لا يربك الموجود، وهو طوراً يربك غير الموجود. . .

أن الوجود يا ولدي كائن واحد ضخم. وهذه الأشياء منه جذوع وفروع وأطراف، وهذا الوجود الواحد هو أنت، وأنت هو هذا الوجود. . .

- كيف لي أن أفهم هذا القول يا أبت؟

- إيتني بثمرة من تلك الشجرة، فسأحدثك بلغة تفهمها

<<  <  ج:
ص:  >  >>