(طال بي الحديث إلى قراء الرسالة عن الأسباب التي كانت تملى على الرافعي موضوعاته التي كتبها لقراء الرسالة، فسأرجئ ما بقي من هذا الباب إلى موضعه من كتاب (حياة الرافعي) الذي يصدر قريباً؛ ليتسنى لي أن أنشر على القراء ما يتيسر نشره من فصول هذا التاريخ قبل الفراغ من طبع الكتاب)
سعيد العريان
رسائل القراء إليه:
لم يكن بين الرافعي وقرائه صلةٌ ما قبل أن يبدأ عمله في الرسالة، ولم تكن أصوات القراء تصل إليه من قريب أو من بعيد، إلا طائفة تربطه بهم صلات خاصة كان يكتب إليهم ويكتبون إليه؛ فلما اتصلت أسبابه بالرسالة، أخذت رسائل القراء ترد إليه كثيرة متتابعة، حتى بلغ ما يصل إليه في اليوم ثلاثين رسالة أو تزيد. وأستطيع أن أقول غير مبالغ: إن الرافعي قد عرف من هذه الرسائل عالماً لم يكن به عهد، وانتقل بها نقلة اجتماعية كان لها أثر بليغ في حياته وتفكيره وأدبه. وإذا كان مؤرخو الأدب قد اصطلحوا على وجوب دراسة البيئة التي يعيش فيها الأديب والتطورات الاجتماعية التي أثّرت فيه، فأن مما لا شك فيه أن الحقبة التي كان الرافعي يكتب فيها للرسالة - كانت تطوُّراً جديداً في حياته الاجتماعية نقله إلى عالم فيه جديد من الصور وألوان من الفن تبعث على التأمل وتوقظ الفكر وتجدّد الحياة. وقد عاش الرافعي حياته بعيداً عن الناس لا يعرف عنهم ولا يعرفون عنه إلا ما ينشر عليهم من رسائله ومؤلفاته، فكان منهم كالذي يتكلم في (الراديو) يسمعون عنه ولا يسمع منهم، وليس له مما يستمد منه الوحي والإلهام إلا ما تجيش به نفسه، ويختلج في وجدانه، غير متأثر في عواطفه الإنسانية بمؤثر خارج عن هذه الدائرة المغلقة عليه